العهدة الخامسة لبوتفليقة.. المخاض العسير للسلطة

مراقبون يرون أن الحسم في هوية الرئيس القادم للجزائر، يتعدى بكثير حدود كل من النائب النافذ بهاءالدين طليبة، وأمين عام الحزب الحاكم جمال ولد عباس.

الغموض يكتنف الإخراج النهائي لسيناريو العهدة الخامسة

لا يزال النائب البرلماني عن جبهة التحرير الوطني الجزائري ، والرجل الأول في تنسيقية دعم الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، بهاءالدين طليبة، يلتزم الصمت تجاه الانقلاب القوي الذي قادته قيادة الحزب، وحملة تبرئة الذمم التي باشرتها المهمة التي وردت في اللائحة التأسيسية المسربة.

وكشفت مصادر موثوقة، أن النائب البرلماني عن محافظة عنابة بشرق الجزائر، لا يزال متواجدا خارج التراب الجزائري، في رحلة سياحية واستشفائية، رغم الضجة التي أثيرت حوله من طرف الحزب الحاكم، والشخصيات الثقيلة التي تبرأت من مبادرة إطلاق تنسيقية دعم الولاية الرئاسية الخامسة. وأضافت “لوحظ النائب المذكور، رفقة الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني في مدينة ليون الفرنسية، المعروفة بتواجد كثيف للجالية الجزائرية، وكان سعداني من ضمن الشخصيات، التي وردت في اللائحة التأسيسية لمشروع التنسيقية “.

واستغرب وزير سابق، وأحد الفاعلين في الحملات الانتخابية للرئيس بوتفليقة خلال الولايات الرئاسية السابقة، ذكر اسمه في اللائحة، وشدد على أن لن يكون في مشروع تلفّه الانتهازية والوصولية، لكنه دافع عن النائب طليبة، في ما يتعلق بقرار قيادة الحزب، حول إحالته على لجنة الانضباط بدعوى عدم الالتزام بنصوص وقوانين الحزب.

وذكر الوزير الذي شغل مناصب قيادية في الحزب الحاكم، وكان عضوا برلمانيا لعهدتين متتاليتين، في تصريح له أن “ما قام النائب بهاءالدين طليبة، كان مبادرة شخصية وليس باسم الحزب، ولا يحق للقيادة تكييف القضية مع النظام الداخلي، وإحالة المعني على لجنة الانضباط”.

وصرح قيادي مناوئ لولد عباس، بأن “المتمرد الأول على القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب، هو الأمين العام الحالي جمال ولد عباس، قبل أن يكون النائب بهاءالدين طليبة، لأنه رغم توصيات القيادة السابقة بعدم المشاركة في المؤسسات غير المنتخبة، إلا أن ولد عباس، كان أول من التحق بصفوف المجلس الانتقالي المعين في 1994 من طرف السلطة، التي أعقبت إلغاء المسار الانتخابي في 1991، رغم رفض قيادة الحزب آنذاك لتصرفه. وأثار مشروع تنسيقية دعم الولاية الخامسة لبوتفليقة، جدلا واسعا في المشهد السياسي المحلي، ما يوحي إلى حدة المأزق الذي تعيشه السلطة، بشأن المرشح الذي تخوض به الاستحقاق الرئاسي المنتظر في ربيع العام القادم، بسبب المعوقات الدستورية والصحية التي تحول دون المرور المرن لولاية جديدة، فضلا عن غياب إجماع بين أركان السلطة حول خليفة له في قصر المرادية.

ويرى مراقبون سياسيون في الجزائر، أن الحسم في هوية الرئيس القادم للبلاد، يتعدى بكثير حدود كل من النائب النافذ بهاءالدين طليبة، وأمين عام الحزب الحاكم جمال ولد عباس، ويضعانهما في خانة الأدوات التي تحركها الدوائر النافذة في السلطة، وليس بإمكانهما الخوض في مسألة الاستحقاق الرئاسي بهذا الشكل لو لم يُوحَ إليهما من جهات خفية.

وأعاد سيناريو مشروع تنسيقية العهدة الخامسة، وردود الفعل القوية من قيادة الحزب الحاكم، سيناريو “البالون”، الذي أطلقه خلال الأسابيع السابقة المحامي والحقوقي والرئيس السابق للهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان الحكومية فاروق قسنطيني، لما كشف رغبة بوتفليقة في الترشح مجددا للانتخابات الرئاسية، بعد اللقاء الذي جمعه معه في الإقامة الرئاسية بضاحية زرالدة بغرب العاصمة.

لكن الرئاسة تدخلت بعدها، ببيان رسمي فند ما وصفه بـ”لقاءات مزعومة” بين المحامي والحقوقي وبين رئيس الجمهورية، وكذب أن يكون بوتفليقة، قد أعرب عن أي موقف يتعلق بالشأن السياسي أو الاستحقاق الانتخابي المقبل، وهو ما دفع قسنطيني إلى التصريح بالقول “لا أسكب الزيت على النار”.

ويرى عارفون بشخصيتي بهاءالدين طليبة وجمال ولد عباس، بأن كليهما لا يمكن أن يتصرف بمحض إرادته، ولا يتحرك إلا بإيعاز من جهة معينة، بما يعني أن الموقف الحرج الذي وقع فيه الحقوقي فاروق قسنطيني، قد يتعرض أحدهما أو كلاهما له، في ظل الغموض الذي يكتنف الإخراج النهائي لسيناريو العهدة الخامسة.

وكانت حملة تبرئة الذمة، قد تتالت خلال الأيام الأخيرة، من طرف الشخصيات التي وردت في اللائحة التأسيسية التي كشف محيط النائب بهاءالدين طليبة، وحذر جمال ولد عباس في ندوة صحافية، منتسبي الحزب من التصرف خارج الأطر والقنوات الرسمية.

وتوعّد أمام وسائل الإعلام وعدد من القياديين، بإحالة النائب عن محافظة عنابة، على لجنة التأديب خلال الأيام القليلة المقبلة، للنظر في ما أسماه بـ”التمرد على القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب”.

وكان رئيس الوزراء الجزائري  السابق عبدالمالك سلال، أول المعبرين عن دهشته من ذكر اسمه في اللائحة، وأكد أنه لا يعلم أي شيء عن المسألة، ولم يحدثه أي أحد عن المسألة، وهو نفس الموقف الذي ورد على لسان الأمين العام السابق عبدالعزيز بلخادم. في حين دعا رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان)، سعيد بوحجة، إلى ضرورة احترام المؤسسات وسلم السلطة، في إشارة للمساس بشخصه كونه يمثل الرجل الثالث في السلطة حسب الترتيب الدستوري للمسؤوليات، واعتبر ما أشيع حول التنسيقية المذكورة مساسا بالمؤسسات والأشخاص.

وتبقى الاستفهامات تطرح بحدة في الجزائر، حول المصدر الحقيقي لبالون العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، ولردود الفعل المعاكسة، وأن تلتزم مؤسسة الرئاسة الصمت لحد الآن بشأن مبادرة بهاءالدين طليبة، عكس ما قامت به بعد تصريحات مماثلة للحقوقي ورئيس استشارية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني، فإن انسحاب من كانوا يوصفون بـ”رجالات الرئيس” من المبادرة قبل أن تولد، مؤشر على تردد الحلقة الضيقة في هرم السلطة، بشأن اللمسة النهائية لتمرير مرشحها للاستحقاق الرئاسي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: