المناهج الدينية بالمغرب

بعد أزيد من عقد من الزمن على إطلاق مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني في المغرب، أطلق الملك محمد السادس مبادرة جديدة تتعلق بإصلاح مناهج التعليم الديني في البلاد، من أجل تشذيبها والتركيز فيها على قيم التسامح والاعتدال، تلك القيم التي طبعت المدرسة المغربية على مدى التاريخ، وكانت مصدر إشعاع لهذه المدرسة على الصعيد الأفريقي، انطلاقا من مؤسسة جامع القرويين، التي عدت لزمن طويل رمزا للتسامح الإسلامي، فبلغ صيتها القارة الأوروبية، إلى درجة أن علماء من ديانات أخرى قرروا الرحلة إليها لتلقي المعارف، كالفيلسوف اليهودي القرطبي موسى بن ميمون، خلال القرن الثاني عشر الميلادي، أثناء إقامته القصيرة بمدينة فاس.

تندرج هذه المبادرة ضمن مساريْن: المسار الأول يرتبط باستراتيجية إصلاح السياسة التعليمية بشكل عام في المغرب، فقد سبق للملك محمد السادس أن وجه انتقادات عدة إلى قطاع التعليم، وضرورة إصلاح المدرسة المغربية، وربط المناهج والمقررات الدراسية مع الاحتياجات الوطنية والتنموية؛ إذ يجب التذكير بأن الخطاب الملكي في غشت 2013 كان قد أكد على أن وضعية التعليم في المغرب قد تراجعت عما كانت عليه قبل عشرين عاما، وفي ضوء الإرادة الملكية لإصلاح القطاع تم إنشاء المجلس الأعلى للتعليم؛ كما أن خطاب غشت 2015 حمل نفس الدعوة إلى الإصلاح الجذري لهذا القطاع؛ وانطلاقا من هذا فإن مبادرة إصلاح مناهج ومقررات التعليم الديني تعد جزءا من إصلاح المنظومة التعليمية بشكل عام، وعقلنة وترشيد مناهج التدريس، وفي القلب منها مناهج التعليم الديني.

أما المسار الثاني فهو مسار يرتبط بالخطة العامة لإصلاح وإعادة هيكلة المجال الديني في المملكة، التي انطلقت منذ عام 2002 وهمّت بوضع مؤسسات جديدة وإصلاح وتطوير مؤسسات قائمة وتوسيع المجالس العلمية، وإنشاء المجلس العلمي لمغاربة أوروبا ومجلس الجالية المغربية بالخارج، وكان من بين الركائز التي اهتمت بها تلك الخطة إصلاح التعليم العتيق، حيث صدر ظهير ملكي بشأنه عام 2002، وتوالت المراسيم والقرارات الوزارية المرتبطة بتنزيل القوانين المنظمة لهذا القطاع.

وتبتغي هذه المبادرة الجديدة للإصلاح الخوض في مضامين المقررات الدراسية، بعد أن تم وضع الضوابط القانونية التي تؤطر المؤسسات المهتمة بالتعليم الديني وتحفيظ القرآن.

من الضروري القول إن صورة المغرب في الخارج، وخصوصا في أوروبا خلال السنوات الماضية، قد طبعها نوع من الازدواجية؛ فمن جهة شكل المغرب نموذجا للبلد العربي المسلم الذي استطاع أن يفتح مبكرا ملف الإصلاح الديني، مسنودا بالشرعية التي تتمتع بها المؤسسة الملكية ذات الخلفية الدينية، بوصف الملك أميرا للمؤمنين؛ ومن جهة ثانية ارتبط المغرب في وسائل الإعلام الغربية بالتفجيرات الإرهابية، من حيث كون عدد من تلك الأحداث كان من ضمن المتورطين فيها مغاربة؛ بل إننا لا نكاد نجد عملية إرهابية حصلت فوق التراب الأوروبي تخلو من وجود بصمات لمغاربة فيها، هذا علاوة على عدد المغاربة المتطرفين الذين التحقوا بصفوف الجماعات المسلحة في سوريا، وخاصة تنظيم “الدولة الإسلامية”، إذ تشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد هؤلاء يقدر بنحو 1500 شخص.

وقد تضاربت هاتان الصورتان المتناقضتان، الأمر الذي جعل المغرب أمام خيار وحيد، وهو مباشرة تغييرات جدية في سياسته الدينية، سواء في الداخل عبر الآليات المؤسساتية الموجودة، كالمجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو في الخارج عبر آليتي مجلس الجالية المغربية بالخارج والمجلس العلمي لمغاربة أوروبا، وتستكمل هذه الورشات بفتح ملف الإصلاح في المناهج الدينية، سعيا وراء تحصين المناهج الدراسية من مخاطر التطرف ومزالق الغلو الديني، وصناعة جيل جديد متشبع بالقيم الدينية الحضارية.

بيد أن المغرب، الذي يواجه خطرا لا يقل عن خطر التطرف، هو خطر الانفصال في أقاليمه الجنوبية، يبدو أنه حرص على أن يربط بين الاثنين؛ وهو ما يفهم من إطلاق الملك لمبادرة إصلاح المناهج الدينية في المدرسة الوطنية من مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء. ويعد هذا الربط رسالة قوية إلى الانفصاليين في الداخل والخارج، مفادها أن هناك ربطا بين الشرعية الدينية والشرعية السياسية، وبين الوحدة المذهبية الدينية والوحدة الترابية للبلاد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: