فرنسا تضيق الخناق الأوروبي على المهاجرين
النقابات الفرنسية تعتبر أن مشروع القانون الحكومي المنظم للهجرة يخاطر بتحويل مهمة الإنصات للحالات الإنسانية لطالبي اللجوء وتجاربهم المريرة إلى مجرد تعاطٍ مع أرقام.
تفيد إحصائية جزئية قامت بها الحكومة الفرنسية أن هناك ما يربو عن ثلاثة آلاف مشرد يعيش في العراء في العاصمة باريس وحدها، ومع أن الرقم صادم فإنه يبدو بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة لأنه لا يلقي الضوء على كافة المشردين في ضواحي العاصمة وفي باقي المدن الفرنسية.
ولعل الخطر الأكبر الذي يمكن أن تعنيه تلك الأرقام غير المصرح بها، أن جميع هؤلاء المشردين (أغلبهم منطقيا من المهاجرين غير الشرعيين)، في باريس وباقي المدن الفرنسية سيكونون قريبا في مرمى مشروع القانون الحكومي المنظم للهجرة.
على عكس شعار “ليلة التضامن” الذي أطلق على عملية الإحصاء الليلية للمشردين في باريس، فإن ما تقترحه الحكومة في مشروع القانون المثير للجدل ينبئ بأيام عصيبة للمهاجرين غير الشرعيين بفرنسا.
تتذرع فرنسا بأن مشروع القانون هذا سيجعلها أكثر قربا من المعايير والتشريعات الأوروبية في التعاطي مع الهجرة لكنها تخاطر في نفس الوقت بخدش صورتها كبلد مختلف عن جيرانها الغربيين وأكثر حساسية في المسائل المرتبطة بحقوق الإنسان.
في كل الحالات، لم يتأخر مشروع القانون في أن يثير عاصفة من الانتقادات من جانب المنظمات الناشطة في مساعدة اللاجئين، وفي مقدمتها منظمة سيماد، أبرز المنظمات المدافعة عن حقوق المهاجرين غير المقيمين بصفة قانونية واللاجئين أو طالبي اللجوء.
بالنسبة إلى هذه المنظمة العريقة فإن مشروع القانون، وعلى عكس ما تسوقه الحكومة الفرنسية من إعادة تنظيم للهجرة، يتجه عمليا إلى تقليص الضمانات والحقوق الأساسية للمهاجرين ما يعني زيادة تعقيد الوضع الحالي لعدد كبير من المهاجرين في فرنسا.
على عكس شعار “ليلة التضامن” الذي أطلق على عملية الإحصاء الليلية للمشردين في باريس، فإن ما تقترحه الحكومة في مشروع القانون المثير للجدل ينبئ بأيام عصيبة للمهاجرين غير الشرعيين بفرنسا
كما تعتبر سيماد أن مشروع القانون وبخلاف تضمنه لبعض الإجراءات الحمائية القليلة للمهاجرين، مثل إصدار تصاريح إقامة لمدة أربع سنوات بدل سنة واحدة للاجئين وفاقدي الجنسية والتوسع في قائمة المشمولين بلمّ الشمل إلى الإخوة، وتيسير انتقال الطلبة والباحثين وتعزيز الحماية للفتيات المعرضات لخطر الختان، فإنه من جهة ثانية ينطوي في أغلبه على إجراءات مقيدة للهجرة واللجوء وموجهة بشكل أكبر إلى تعزيز المراقبة ومنع دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى التراب الفرنسي وتيسير عمليات الترحيل.
بالعودة إلى مضمون مشروع القانون الحكومي فإنه يركز بشكل محوري على تقليص فترة الإجراءات وهي نقطة ذات أولوية بالنسبة للرئاسة الفرنسية، وتهدف أساسا إلى تقليص تلك المدة إلى فترة تمتد ما بين ثلاثة وأربعة أشهر وكذلك تخفيض المدة المخصصة للطعن إلى أسبوعين. والأمر السيء في هذا أن طالبي اللجوء سيكونون خلال فترة الانتظار المختصرة محرومين في هذه الحالة من الامتيازات المرتبطة بمنح اللجوء والإيواء.
وقد دفع الوجه الآخر لهذه الخطوة -اختصار آجال الإجراءات- أيضا إلى إثارة تحفظات كبرى من جانب نقابات في قطاع القضاء والإدارات المعنية بالهجرة واللجوء، لجهة الضغوط التي ستفرضها الملفات المتراكمة لطالبي اللجوء وضرورة الرد عليها في حيز زمني ضيق.
تعتبر النقابات أن مشروع القانون يخاطر بتحويل مهمة الإنصات للحالات الإنسانية لطالبي اللجوء وتجاربهم المريرة إلى مجرد تعاطٍ مع أرقام. ويزداد هذا التحفظ مع اعتزام القانون توخي وسائط إلكترونية في قضايا الطعن وعند مثول طالبي اللجوء أمام القضاة.
ويتعلق الأمر باعتماد تقنية الفيديو، أي أن القاضي سيتعاطى مع اللاجئين عبر شاشات فقط، وهو أمر يهدد بنسف جزء كبير من آليات التقييم الموضوعي، مثل الحالة النفسية والجسدية لطالب اللجوء، علاوة عن أن هذا الإجراء يضاعف من الضغط على اللاجئين ويضعف من فرص بقائهم.
كما يهدد مشروع القانون بحسب منظوري النقابات المحتجة والذين بدأوا إضرابا منذ 12 فبراير الجاري، بتسويق صورة سيئة عنهم بموازاة الانتقادات الموجهة للإجراءات المقيدة والمتشددة في القانون.
وهناك قلق متصاعد من أن يؤدي التمديد من فترة الإبقاء في مراكز الاحتفاظ بهدف التثبت من حق الإقامة، إلى حدوث انتهاكات أوسع كإرغام المهاجرين على توثيق هوياتهم أو التهديد بتحجير دخولهم إلى التراب الفرنسي لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات في حال الامتناع، بحسب القانون الجديد.
وسيتسنى أيضا للسلطات الفرنسية باعتماد مشروع القانون، إحكام المراقبة على طول الحدود لأن المهاجرين الذين سيعبرون من خارج فضاء شنغن ومن دون إذن مسبق سيكونون عرضة للسجن لمدة عام مع خطية مالية تقارب 4 آلاف يورو. وينظر إلى هذا الإجراء من جانب المنظمات الحقوقية كـ”سلاح جديد” يرفع بوجه المهاجرين لأنهم سيكونون ملزمين بالعبور إلى التراب الفرنسي عبر نقاط العبور الرسمية.
من المتوقع أن يمنح القانون في حال تمريره بعد مناقشته في البرلمان في أبريل المقبل، على الفور واقعا جديدا للهجرة في فرنسا وداخل الاتحاد الأوروبي بشكل عام، لكن من السابق لأوانه التكهن بتداعياته المحتملة على الشركاء في جنوب المتوسط وفي أفريقيا خاصة وأنها تأتي بعد خطابات ماكرون الحماسية بشأن تعزيز الروابط داخل فضاء الفرنكوفونية