قانون الهجرة الجديد في فرنسا يصطدم بانتقادات مؤيديه قبل معارضيه
يثير مشروع قانون الهجرة واللجوء الجديد في فرنسا، منذ الكشف عن تفاصيله مؤخرا، استياء الكتلة البرلمانية الرئاسية قبل المعارضة والمنظمات الحقوقية، ما قد يدفع الحكومة الفرنسية، حسب مراقبين، إلى مراجعة بعض بنوده المثيرة للجدل من أجل تمريره في البرلمان وتجنب النيران الصديقة خلال جلسة التصويت.
كشف وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب الأربعاء مشروع قانون اللجوء والهجرة الجديد المثير للجدل، وسط انتقادات من اليسار والجمعيات التي تعيب عليه صرامته، حيث وصل السجال بشأنه حتى داخل غالبية الرئيس إيمانويل ماكرون.
ودافع كولومب عن مشروع القانون في وجه الانتقادات المعنية بحقوق اللاجئين، وقال إن فرنسا تقترب بذلك من القواعد المطبقة في الدول الأوروبية المجاورة.
وعزا الوزير سن هذا القانون إلى استمرار ارتفاع أعداد طلبات اللجوء في فرنسا في العام الماضي، على الرغم من تراجعها بشكل عام في أوروبا.
وقال “فرنسا تحتاج إلى جعل سياستها المتعلقة بالهجرة متمشية مع الدول الأوروبية الأخرى أو ستخاطر بأن تصبح الملاذ الأخير”، مشيرا إلى أن دولا مثل ألمانيا والدنمارك وهولندا تسمح باحتجاز المهاجرين غير النظاميين لمدة تصل إلى 18 شهرا.
وتابع “إن تحركات اللاجئين مشكلة يمكن أن تؤدي إلى عدد من الصعوبات بالنسبة للدول”، مشيرا إلى زيادة التأييد لليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة في ألمانيا والنمسا.
مشروع القانون الجديد يقضي بتقليص مدة تقديم ودراسة ملفات اللجوء إلى ستة أشهر ويفرض عقوبات قاسية على من يدخل الحدود الفرنسية بطريقة غير شرعية
ويقضي مشروع قانون اللجوء والهجرة الجديد، بتقليص مدة تقديم ودراسة ملفات اللجوء إلى ستة أشهر، بعد أن كانت تستغرق عمليات البحث فترة تناهز العام، يتم السماح خلالها بالاستئناف على قرارات الرفض، و فرض عقوبات قاسية على من يدخل الحدود الفرنسية بطريقة غير شرعية، وفرض عقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات على المهاجرين الذين لا يحملون وثائق إقامة في فرنسا.
وواجه مشروع القانون الجديد انتقادات واسعة بعد الجدل الذي أقامه في فرنسا وخارجها، حيث انتقدت العديد من المنظمات الحقوقية طابعه المتشدد الذي يصفه معارضوه بـ “اللاإنساني”، فيما انتقد المفتش العام الفرنسي للسجون التدابير المرتقبة، وقالت إن الظروف السائدة في مراكز الاحتجاز كثيرا ما تكون مؤسفة.
ونقلت وكالة “أسوشيتيد برس” الأميركية عن ناشطين في مجال حقوق الإنسان قولهم إن تسريع مراحل بحث طلبات اللجوء “يجعل دفاع طالبي اللجوء عن حقوقهم أكثر صعوبة”، واصفين القانون بـ “القمعي”.
وتتجه فرنسا بتشريعاتها حال إقرارها في البرلمان إلى تمييز المهاجرين الاقتصاديين عن أولئك الذين يبحثون عن ملجأ على الأراضي الفرنسية، من خلال اعتماد “سياسة صارمة” تجاه من ترفض طلبات لجوئهم مع “ترحيلهم تلقائياً” فور رفض طلبهم.
ويواجه قانون الهجرة واللجوء الجديد انتقادات وتوترا حتى داخل الحزب الحاكم “الجمهورية إلى الأمام” حيث يعتبره بعض النواب قمعيا.
وقال النائب في الغالبية الحاكمة، جان ميشال كليمان متحدثا في الجمعية الوطنية، إن “الأكثر ضعفا سيعاقبون، ليس من المحظور إدخال لمسات من الإنسانية إلى نص قانون”.
و يرى اليمين واليمين المتطرف أن النص متساهل كثيرا، حيث قال النائب عن حزب الجمهوريون، غيوم لاريفيه، إنه يتضمن “تصحيحات تكنوقراطية صغيرة لكنه لا يلحظ التحول الضروري في سياسة الهجرة”.
وعرض مشروع القانون وسط استياء أثارته مذكرة قدمها كولومب حول إحصاء المهاجرين في مراكز الإيواء الطارئ، فيما رفض مجلس الدولة الثلاثاء تعليقها.
وبدأ الاستياء داخل أوساط المدافعين عن الأجانب، ثم انتشر تدريجيا إلى أوساط المثقفين وصولا إلى بعض المقربين من إيمانويل ماكرون، بالرغم من تقديم الحكومة تنازلا طفيفا بتخليها عن مفهوم “دول العبور الثالثة” الذي يسمح بإبعاد طالب لجوء إلى بلد عبور.
وقبل يوم من طرح مشروع القانون في مجلس الوزراء، قام جان بيساني فيري، والذي كان حتى وقت قريب أحد أكثر مستشاري الرئيس نفوذاً وقرباً، بمهاجمة ماكرون مع منتقدين آخرين في رسالة مفتوحة نشرها على صحيفة لوموند الفرنسية، واسعة الانتشار، وحثوه على “تلبية قيمنا العليا” ووضع حد لسياسة تهدف إلى إبعاد طالبي اللجوء عن فرنسا.
وبذلك باتت الغالبية المؤلفة من نواب قادمين من اليسار واليمين على السواء، في موقف حرج أمام نص يراه البعض شديد التساهل فيما ينعته البعض الآخر بالتشدد، غير أنه نادرا ما يعتبر متوازنا مثلما تصفه الحكومة.
وازاء هذه الصعوبات، حذرت الوزيرة لدى وزارة الداخلية جاكلين غورو، منذ الآن، بأن فرص إقرار مشروع القانون قبل حلول 30 يونيو “ضئيلة”، حيث يتوقع مراقبون أن تدخل الحكومة تعديلات على مشروع القانون من أجل ارضاء المتململين داخل الحزب الحاكم.
وسجلت فرنسا ما يزيد عن مئة ألف طلب لجوء عام 2017، ما يشكل رقما قياسيا بزيادة 17 بالمئة العام 2016، كما منحت اللجوء إلى 36 بالمئة من مقدمي الطلبات، حيث كان البلد يعد ستة ملايين مهاجر عام 2014.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “بي في آ” أن الفرنسيين يؤيدون بغالبيتهم حق اللجوء، غير أن 63 بالمئة يرون في المقابل أن هناك “عدد طائل من المهاجرين”، مقابل 37 بالمئة فقط يؤيدون سياسة ماكرون على صعيد الهجرة.
والإقامة التي يحصل عليها اللاجئ السياسي في فرنسا تعتبر هي الأطول في أوروبا حيث يمنح من يحصل على وضع اللاجئ كرت إقامة صالح لمدة 10 سنوات قابل للتجديد، كما يحصل المُستفيد من وضع الحماية الإنسانية على كرت إقامة صالح لعام كامل قابل للتجديد وحتى هذا يمكن الطعن به والحصول على قرار إقامة صالح لمدة عشر سنوات.
ويأتي الجدل حول مشروع قانون الهجرة واللجوء جديد ، في وقت يسعى فيه الرئيس الفرنسي الى اعداد مشروع قانون جديد حول الاسلام، ما سيثير جدلا واسعا عن برنامج ماكرون الذي يصفه مراقبون بأنه لا يختلف كثيرا عن برامج اليمين المتطرف في علاقة بالمسائل الاجتماعية.
وقال ماكرون لصحيفة “لوجورنال دو ديمانش “نعمل على هيكلة الإسلام في فرنسا وكذلك طريقة شرحه، ولكنني لن أكشف عن أي اقتراح حتى يتم العمل، طريقتي من أجل المضي قدمًا حول هذا الموضوع، هي التقدم خطوة خطوة”.
وتأتي تصريحات الرئيس الفرنسي في ظل تصاعد الهجمات المناهضة للإسلام والمسلمين في فرنسا ودعوات لحظر الحجاب والنقاب في عدة دول أوروبية.