وأصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له
الإعلام الذي من المفترض أنه صاحب الرسالة النبيلة، والغايات السامية، التي تستهدف الارتقاء بالوجدان، وتثقيف الإنسان، وتهذيب الذوق العام، وتشكيل الوعي الصحيح، وغيرها من الغايات التي تصب في المصالح العليا للوطن، وتسهم بشكل مباشر وغير مباشر في تنميته والارتقاء به، هذا الإعلام الذي استطاع – وفي مراحله الأولى من الظهور، والإمكانيات البسيطة جداً عند المقارنة بما عليه الوضع الآن – نقول إن هذا الإعلام استطاع في الماضي، ومن خلال الآلية المعروفة وهي الصحافة، أن تشكل وجدان الثوار في كل بلدان العالم، ومن خلالها تشكلت عقيدة مقاومة الاستثمار والهيمنة، بل كانت الكلمة «البطلة» لا تقل في تأثيرها عن البطولات علي جبهة القتال من حيث الدور والتأثير في الحركات الوطنية، واستقلال الأمم.
كما أن الإعلام من المفترض فيه أنه يضم نخبة متميزة من المثقفين، ومن الإعلاميين الذين استطاعوا الجمع بين مهنة الإعلام من حيث النظريات والمعارف العلمية ومن خلال التدريب علي ممارسته مهنة قوامها المعرفة والممارسة، وفي كل مجالات الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وبهؤلاء نهض الإعلام، واستطاع تحقيق رسالته وغاياته النبيلة، هذا ما كان يحدث في الماضي، وحتي وقت ليس ببعيد.
أما ما يحدث الآن فيشكل كارثة إن لم يكن فضيحة إعلامية، حيث بات مجالاً للمتسلقين، والمزايدين بل ولمن لم يتلق أبجديات الإعلام، وما عليك إلا متابعة ما يطلق عليه برامج «التوك شو»، أو بعض المواقع الالكترونية ، التي تفاجئك بوجوه مرموقة، وإذا بها جمع من الكبث و التملق و الركوب تلى الأمواج ويطلق على نفسه – ودون خجل – صفة إعلامي، بل ويطلق عليه الآخرون هذه الصفة، في حين أنه ربما لم يحصل علي مؤهل عال. ولعل هذا هو السر وراء ما يرتكب علي هذه المواقع من أمور مخجلة، من حيث إثارة الفتن بين الجماهير، والتفتيش عن كل ما يثير الوقيعة بين هذا أو ذاك، والأمثلة هنا يطول شرحها، ولا تستحق مجرد التعقيب عليها، فأمرها بات واضحًا، بل ومفضوحًا.
أما عن شبه المقالات الأخرى ومنها ما يصل حد العهر والفجور، ومن المفروض أن تخضع للآداب العامة ومحاسبتها، فحدث عنها ولا حرج، ومعظم من يتولون هذه المواقع هم أيضًا ممن تسلطوا على هذه المهنة بدون قانون و لا حساب ، أو ما يطلق علي ما كانوا يمارسونه بإعلاما، حيث بدأت تغيب عنهن ما كانوا يخدعون به الآخرين في الماضي، وأخذت تبحث عما يمكن أن يذكر الناس بها، وفي سبيل ذلك، وفي سبيل الحصول علي الأرقام الفلكية يمكن أن يقمن أو يقوموا بارتكاب أي شيء في مواقع التواصل من حيث الميوعة والخلاعة، والأسئلة الخادشة للحياء، والإيقاع بين هذا وذاك، وكله إعلام.
ومن المحزن أن «الصحافة» التي كانت تحتل المكانة السابقة: ثقافة، وعلمًا وأدبًا، وخبرًا صحيحًا تتم مراجعته عشرات المرات قبل نشره، بدأ يدخل بعضها هواة التشهير بالآخرين، إلي جانب الأخبار الكاذبة، بل والسطو علي ما ينشر في الصحف الأخرى، ولا مانع من ربط هذا البرنامج التليفزيوني بتلك الصحيفة أو تلك و«شيلني وشيلك»، وهو كله إعلام.
وهنا نقول: إنه ليس بخاف على أحد أن السبب في كل هذا اختراق المال للصحافة والإعلام عمومًا وهو أمر لا يقل خطورة عما نعانيه من اختراق رجال الأعمال للسلطة.
واختراق الزابونية و التطفل هو الذي جعل من الإعلام مهنة من لا مهنة له، وهذا يفرض علي الإعلاميين الغيورين علي مهنتهم مواجهة هذا الخطر الداهم لهذه المهنة المقدسة