ملابس البالة في المغرب كساء للفقراء وموضة للأغنياء

أصبحت ظاهرة الملابس المستعملة منتشرة في جميع دول العالم وخاصة في الدول الأفريقية، ففي المغرب تقبل جميع الشرائح الاجتماعية على أسواق البالة، إذ أن الفقراء يبحثون عن أثواب رخيصة الثمن تناسب جيوبهم يقاومون بها البرد شتاءً ويسترون بها أجسادهم صيفًا، أما الميسورون فيبحثون عن ملابس جيدة وأنيقة من الماركات العالمية التي لا يقدرون على شرائها إن وجدت في المركبات التجارية الراقية.

شريحة واسعة من المغاربة في شراء الملابس تتجه نحو محال الملابس المستعملة (البالات)، التي تشكل قطاعا اقتصاديا غير منظم.

أسباب إقبال المغاربة على هذا النوع من الملابس، إذ يرى البعض أن الإقبال مرتبط بمستوى الدخل والظروف الاجتماعية، بينما يعتقد آخرون أن للجودة دورا أساسيّا في اقتناء الملابس المستعملة، التي تُستورد من أوروبا، وتوجد من بينها أحسن العلامات التجارية العالمية وبأسعار مناسبة جدا.

تتعالى أصوات تجار الملابس المستعملة في السوق الشعبية “حفرة بن سليمان” بفاس .

الزائر لأول مرة قد لا يتحمل الضجيج الذي يملأ الممر الخاص بمحلات الملابس المستعملة، لكن يبدو أن الزبائن تعودوا على صراخ الباعة.

ويبدو من الوهلة الأولى أن النساء أقدر على التحمل، وأكثر صبرا في التنقيب عما يناسبهن من ملابس مجمعة في شكل أكوام.

سناء، موظفة اعتادت كل يوم سبت على التسوق من “حفرة بن سليمان”، لاختيار أجود الملابس المستعملة بأبخس الأثمان، تقول “عكس ما يعتقد البعض، الإقبال على الملابس المستعملة لا يقتصر على فئة معينة، بل يشمل جميع الطبقات الاجتماعية”.

بالإضافة إلى الفقراء الذين تجبرهم الظروف الاقتصادية على البحث عما هو أرخص ثمنا، فإن ميسوري الحال يقبلون على “سوق البالة” بحثا عن ملابس الماركات العالمية التي إن وجدت في المغرب فإنها تكون بأسعار خيالية، أما في سوق البالة فمهما غلا ثمنها يكون سعرها مناسبا بالنسبة إليهم.

تضيف سناء “أحيانا نشتري ملابس بجودة عالية، ومن العلامات التجارية العالمية، وبعد غسلها وتجفيفها وكيها يستحيل التمييز بينها وبين الملابس الجديدة”. الكثير من المترددين على أسواق البالة في المدن المغربية يبدو من مظهرهم أنهم ينتمون إلى شرائح اجتماعية ميسورة الحال من موظفين وتجار يربطون علاقات مع تجار الملابس المستعملة الذين خبروا أذواقهم في الملابس فيحتفظون لهم بما يريدون من ماركات جيدة مقابل أن يدفعوا دون أن يناقشوا الباعة في الأسعار.

أما الشباب فكأنهم مدمنون على رائحة السائل الذي يرش على هذه الملابس إذ يمرون بشكل شبه يومي على هذه الأسواق يبحثون بصبر وتركيز في أكداس الملابس على قطعة نادرة لم يتفطن إليها التاجر أو الزبائن.

ماركات عالمية لعامة الناس
أمام تهافت ميسوري الحال على أسواق ومحلات البالة، وبحثا عن المزيد من الربح يعمد التجار إلى اختيار أفضل الملابس الموجودة في البالة وتعليقها والترفيع في أسعارها لمن يريد أن يدفع، حتى أن البائع أصبح يفهم الماركات العالمية فيحدثك عن أن تلك القطعة هي من فيرساتشي أو غوتشي أو دولتشي أند غابانا أو جورجيو أرماني أو بيار كاردان، ويعرف أسعار تلك القطع بالدولار تبريرا لرفع سعرها إلى حد لا يستطيع شراءها ذووا الدخل المحدود الذين ينكبون يبحثون في أكداس الملابس التي ينادي عليها التاجر بسعر موحد مذكرا أن الكل يلبس من البالة.

وبالتزامن مع الأسواق الشعبية والأسبوعية للملابس المستعملة ظهرت محلات دائمة لبيع الملابس المستعملة بسوق القريعة بالدارالبيضاء  يتم اختيارها من البالة وكيها وتعليقها في المحلات لتبدوا كأنها ملابس جديدة، يقبل عليها الموظفون وكل من ليس لديه الوقت والصبر للذهاب إلى الأسواق وفرز ما يريد من أكداس الأثواب والأحذية.

يقول محمد، بائع ملابس مستعملة بسلا ، “لدي زبائن من مختلف المدن المجاورة، أعتقد أن ما يجعلهم يترددون دائما على المتجر، هو الملابس ذات العلامات التجارية العالمية المعروضة لمحدودي الدخل”.

وتابع “لدينا ملابس تصل قيمتها إلى 100 دولار، نبيعها بحوالي 30 دولارا فقط، صحيح أنها مستعملة، لكن جودتها جيدة جدا، وثمنها مناسب لمن لا تسمح لهم إمكانياتهم المادية باقتناء ملابس جديدة”.

ويقول عبدالله، العامل في القطاع الخاص، من مدينة الرباط، إن “الملابس المستعملة التي ترد إلينا من الدول الأوروبية نجد فيها ملاذا من ارتفاع أسعار الملابس الجديدة”. ويتابع “الملابس الجديدة في الغالب تكون أقل جودة من نظيرتها التي تدخل السوق المغربية من الخارج”.

ويضيف “في الشتاء مثلا أقتني معطفا مناسبا بـ200 درهم (22 دولارا)، لكن إذا أردت أن تشتري مثله من المحلات التجارية، تجد أن ثمنه مضاعف بأكثر من 3 مرات”.

على الرغم من أن تهريب الملابس المستعملة وبيعها ممنوعان قانونيا، فإنهما أصبحا من المحظورات المسكوت عنها، يقول منصف التادلي تاجر الملابس الجديدة بالمدينة القديمة في فاس “تُستورد الملابس المستعملة من شمال المغرب، وتدخل عبر مدينتي سبتة ومليلية، وتوزع على مختلف مدن المغرب”.

ويضيف “نحن ندفع الضرائب، لكن تجار الملابس المستعملة يكتسحون السوق دون ضرائب، في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة”. عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة الرباط، يقول “الإقبال المتزايد على الملابس المستعملة يُعبر عن وضع اجتماعي معين”.

ويتابع “تجارة ملابس البالة قديمة وليست جديدة، لكنها تزايدت في السنوات الأخيرة، وفي ذلك إشارة إلى وضع اجتماعي صعب”.

ويوضح الخبير الاقتصادي أن “ترويج الملابس المستعملة بالشكل الذي نراه اليوم من طرف الباعة المتجولين، يؤثر سلبا على طلب السلع في السوق”.

ويضيف “وبالتالي القطاع غير المنظم يغزو السوق، ويضايق التجار الذين يدفعون الضرائب والذين لا يستطيعون التحرك بنفس السهولة التي يتحرك بها الباعة المتجولون”.

ويقول إن “ما يلاحظ اليوم من انتشار لتجارة الملابس المستعملة، يعبر عن أزمة اقتصادية في البلد، حيث السلع الجديدة لم تعد تباع بشكل واسع”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: