نصف مليون زائر لمعرض الدار البيضاء الدولي للكتاب و تتويج رواق مجلس الجالية بدرع التميز
اختتمت فعاليات الدورة الرابعة والعشرين من معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب التي استمرت من 8 فبراير الجاري حتى 19 من نفس الشهر. وقد أعلنت وزارة الثقافة المغربية التي تنظم المعرض سنوياً أن عدد زواره بلغ هذا العام نصف مليون زائر. وقد شهد المعرض العديد من النشاطات المتنوعة علاوة على الكتب بعناوينها المختلفة والتي تشمل مختلف شرائح جمهور المعرض، الذي كان على موعد مع عدد هام من الندوات والأمسيات الشعرية والقصصية والروائية وتواقيع الكتب والجوائز مثل جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات التي يقدمها “المركز العربي للادب الجغرافي -ارتياد الآفاق” وجائزة القراءة وغيرها.
طيلة أيامه واصل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء انفتاحه على تجارب روائية وقصصية من العالم العربي والمغرب، كما قدّم العديد من الندوات والفعاليات، ولم يغفل في ذلك دور الأطفال وأهميتهم فخصصت هذه الدورة الرابعة والعشرين من المعرض جوائز للقراءة والكثير من الفعاليات الموجهة للترغيب في القراءة.
وقد استقبل المعرض هذا العام 520 ألف زائر بزيادة في عدد رواده قدرت بـ50 في المئة عن الدورة السابقة.
ضمن فعاليات أنشطة المعرض الدولي للكتاب، بمدينة الدار البيضاء، أقيمت ندوة تحدث فيها كل من القاص المغربي عبدالرحيم التوراني وعبدالسلام الجباري، عن تجربة الكتابة القصصية بالمغرب وعن اقترافهما لهذا الجنس الأدبي، وفي تقديمه للكاتبين اعتبر القاص المغربي أنيس الرافعي، أن القصة القصيرة المغربية جنس أدبي نشيط احتضن كل التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عرفها المغرب من الخمسينات من القرن الماضي إلى الآن، ولكن كُتَّابُ القصة القصيرة حسب أنيس الرافعي، يواصلون الإبداع في هذا الجنس الأدبي خارج ما بات يسمى حاليا بالوثنية الجديدة التي تؤسسها كل من الجوائز ودور النشر والاهتمام الإعلامي المنصبّ على فنون سردية أخرى متمثلة خاصة في الرواية.
وظاهرة انتشار الرواية لها أسبابها المفضوحة، حسب القاص عبدالرحيم التوراني، متمثلة في الركض والتسابق نحو الجوائز، إلى درجة أن الثرثرة والهذيان صارا يعبآن بين دفتي المطبوع ويكتب عليه زورا عبارة رواية، لست هنا بصدد مهاجمة الرواية والدفاع عن القصة القصيرة ولست منظّرا أدبيا ولا ناقدا مؤهلا لأفيدكم في ما يفرق بين الكتابة الروائية والقصصية.
أما القاص المغربي عبدالسلام الجباري، فيؤكد أن القصة هي بمثابة كتابة للحياة قبل أي شيء، مؤكدا أننا لا نبحث عن الشهرة إذ لا يمكن أن نضحي بالأدب لأجلها ويعتقد أن تصوره للكاتب هو أنه يجب أن يكون متأملا ومتسلحا بمنهاج ويعرف الإشكالية التي يحاول أن يعالجها.
تجارب القصة القصيرة المغربية الحديثة كما يؤكد الجباري، لا تقل أهمية عن التجارب السابقة وأحيانا تتجاوزها شكلا ومضمونا، نافيا صيغة التفاضل من ناحية ومؤكدا من ناحية أخرى أن الذي يتأمل جيدا المشهد القصصي المغربي يلاحظ أن القصة وصلت إلى مستويات عليا لغة وحبكة وقراءة وتأليفا.
ويثبت القاصان المغربيان خطأ القائلين بتراجع القصة القصيرة ونهايتها وترك موقعها لصالح الرواية.
وضمن فعاليات المعرض وفي رواق مشترك بين المركز الثقافي للكتاب ومؤسسة مؤمنون بلا حدود، وقّع الكاتب محمد المعزوز روايته “بأي ذنب رحلت”، واعتبر الروائي المغربي في تقديمه لعمله بأنه رواية فلسفية حاول أن يوظف فيها الأفكار والخواطر والنظريات الفلسفية ليبني عالما سرديا عبر حبكة سردية ودراما إنسانية فيها نقد حقيقي للدولة والنخب والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
واعتبر المعزوز الذي هو أيضا استاذ متخصص في الأنثروبولوجيا، في تصريحات لـ”العرب”، أن روايته تدق ناقوس الخطر بأننا داخل متاهة وجودية ومتاهة اجتماعية أيضا، وإذا لم نتدارك هذه الهوة السحيقة سنسقط بالتأكيد في كارثة أنطولوجية وإنسانية بسبب الجرح الذي يعمق اختلالات خاصة في علاقة الإنسان بالعالم.
ويقول المعزوز لـ”العرب” إن روايته تناقش علاقة الإنسان بذاته وعلاقته بالآخر والعالم، وعوالم الرواية خرجت مما هو محلي إلى ما هو عالمي بالانفتاح على أحداث دولية في السياسة والفن.
ويختم إن رسالة الرواية الواضحة هي أننا نحن في حاجة إلى عصر أنوار جديد لا بد أن يكون للعقل فيه مركز، مشددا على أن العقل إذا كان دون وجدان ودون أحاسيس بذات الإنسان والآخر لا يمكن أن نبني مجتمعا وإنسانا.
المعرض استقبل هذا العام 520 ألف زائر بزيادة في عدد رواده قدرت بـ50 في المئة عن دورته في السنة الماضية
وفي ندوة أخرى حول رواية “ربيع قرطبة” للمغربي حسن أوريد، أكد الكاتب أنه تحدّث تورية ومن وراء سطور روايته حول تجربته السياسية من داخل دواليب السلطة في المهام التي تقلدها داخل البلاط المغربي حتى خروجه منه، وهو ما يؤكده بالقول إنه جعل قرطبة مسرحا لأشياء عرفها أو عاشها وربما اكتوى منها.
لا يتحدث حسن أوريد عن التاريخ في روايته ربيع قرطبة الصادرة عن دار “المركز الثقافي العربي” والتي قدّمها ووقّعها ضمن فعاليات معرض الكتاب بالدار البيضاء، فليست قرطبة بالنسبة إليه إلا فضاء لأجل قضايا آنية، وليس التاريخ إلا ذريعة، فعندما يتحدث عنه في واقع الأمر فإنه يتكلم عن قضايا آنية.
يقول أوريد “اخترت الأندلس ليس لكونها فترة زمنية ولا فضاء جغرافيا، بل الأندلس التي تحيل إلى التعايش واحترام الآخر والتلاقح المُفضي إلى الغنى وتحيل إلى المزاوجة بين العقل والإيمان وأيضا إلى الجمالية والأعراق التي عاشت في رحابها، وتحيل كذلك العيش المشترك”.
واختار الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي المغربي بين عامي (1999 – 2005) فترة زاهية من حكم الأمويين في الأندلس وخصوصا الخليفة الحَكَم المستنصر بالله (915 – 976 م). ولا يعتقد أوريد أن هناك شيئا يستثير الاهتمام لدى القارئ أكثر من السياسة والحب، وهذا ما حاول تجسيده في روايته. يروي أوريد سيرة الخليفة لكنه وإن انطلق من أحداث تاريخية حقيقية مثل فقده لابنه عبدالرحمن فهناك شخصيات لا شيء تاريخي يدعم وجودها لكنها من نسج الخيال منها يحيى بن كنون شخصية ترمز إلى الاعتراف، ولا شيء تاريخي يؤكد وجود شخصية باسم بشكوال لكن يمكن القول عنها إنها حس النقد أو المرآة، وغيرهما.
وفي قراءته للرواية استنتج المترجم والناقد محمد آيت لعميم، أن الخطاب في هذا العمل يحمل عدة إشكالات وهي مليئة بالأحداث الرئيسية والثانوية، فعندما تتحدث الرواية عن قتل الخليفة لابنه فالمسالة ليست في بعدها التاريخي وإنما لخدمة فكرة كبرى في الرواية التي تحاول تشريح مفهوم الخلافة لان الرواية بنت هذا المفهوم وشَرَّحَته لتبرز بان للخلافة آلية اشتغال تختلف عن كيفية اشتغال الإنسان الخليفة.
فالإنسان الخليفة، حسب الناقد المغربي، قد يبكي وقد يتألم لكن الخلافة كمؤسسة لا مجال فيها للعاطفة والغرائز لأن أمر الدولة أقوى من البعد الإنساني العادي. ومن جهة أخرى يلفت آيت لعميم إلى أن الشخصيات في العمل الروائي ليست هي تلك التي نجدها في الكتابة التاريخية، فالشخصيات التاريخية تكون غالبا مقدمة بشكل نهائي، فيما العمل الروائي الناجح يجافي الشخصية التامة.
وبالعودة إلى وجهة نظر حسن أوريد نجده لا يحبّذ أن تجرى قراءة تاريخية على عمله لأنه يريد ترسيخ قراءة جمالية وفنية وفكرية في مزجه بين التاريخي والخيالي.
الطفل حاضر بقوة
عرفت الدورة الـ24 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية للقراءة في دورتها الرابعة، السبت 17 فبراير، والتي نظمتها شبكة القراءة بالمغرب في إطار برنامجها “القراءة للجميع” بدعم من وزارة الثقافة والاتصال، وكان حضور الطفل متميزا وكثيفا ضمن الجائزة حيث فاز تسعة أشخاص توزعوا على المستويات الابتدائي والمستوى الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي وأيضا من السلك الجامعي.
ونوّه وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج، بهذه التجربة الجمعياتية المهتمة بتحفيز القراءة في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها، والعمل على جعل الكتاب صديقا دائما للأطفال والشباب، مما يصبّ في صميم انشغال الوزارة وسياستها التي تعتبر
القراءة العمومية رافعة أساسية للتنمية الثقافية للمواطنين من مختلف الأعمار والشرائح.
وقال شطيبة محمد من فاس، الذي تمكّن من قراءة 87 كتابا، وينتمي إلى فئة المستوى الثانوي الإعدادي، إنني مبتهج كوني فزت بهذه الجائزة وكنت مستمتعا أثناء قراءتي لكل هذه الكتب المتنوعة في القصة والعلوم والأدب، وسوف أستمر في القراءة لأنها أصبحت عندي عادة لن أحيد عنها.
الأدب المغربي سواء في القصة القصيرة أو الرواية يشهد طفرة نوعية تؤكدها القيمة الفنية للإصدارات الأدبية
وتحتضن شبكة القراءة العمومية التابعة للوزارة، سنويا ما يناهز 4 آلاف نشاط، أو على مستوى توسيع وتحديث هذه الشبكة، والتي يبلغ عدد وحداتها الآن 342 نقطة قراءة وخزانة وسائطية، برصيد وثائقي يفوق مليون ونصف مليون وثيقة مقروءة أو رقمية.
وأشارت رشيدة روقي، رئيسة “شبكة تنمية القراءة بالمغرب”، إلى أن هذه الجائزة ثمرة مجهودات متواصلة للمشرفين على نوادي للقراءة والآباء والأطر التربوية التي بذلت مجهودات كبيرة للتشجيع على القراءة، مشددة على توفير ظروف مواتية للقراءة بتعاون بين مختلف الشركاء من الوزارة الوصية والمديريات الجهوية للتربية والتكوين والجامعات والمؤسسات السجينة، “لأن حب القراءة موجود في قلوب شبابنا”.
وقد تجوّلت “العرب”، داخل فضاءات المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء في هذه الدورة، لتتعرف على آراء الأطفال وأولياء أمورهم حول نوعية الكتب التي يقتنونها ومستويات اهتمامهم حيث أكد محمد مرزاق المسؤول في مجموعة مكتبات المدارس التي تأسست في العام 1907 بالمغرب، أن الرواق يحتضن مجموعة متنوعة من الكتب خاصة تلك المرتبطة بميولات الأطفال ما يدل على اهتمامنا الكبير بالناشئة.
وبخصوص المواضيع التي يتناولها كتاب الطفل داخل هذا الرواق، قال مرزاق، إنها متعددة وتتوزع بين الكتب التعليمية والترفيهية ويركّز الأطفال بالخصوص على القصص الترفيهية والقليل من يهتم بالكتب العلمية باللغتين الفرنسية والعربية، مع بحثهم الدائم عن الجودة.
وتعدّ الحكايات الترفيهية مهمة لتنمية الخيال لدى الطفل، جودة المضمون إذا كان أحد أولياء أمور الطفل فهو الذي يقوم بتوجيهه وإلا فنحن نقوم بنفس المهمة.
وبخصوص زيارة المعرض أكد آدم، أب لطفلين، أنه يحضر للمعرض لثاني مرة وجاء لاقتناء قصص وكتب لتعليم اللغة العربية والفرنسية لطفله ذي الخمس سنوات، وكتبا بالعربية والفرنسية لابنته في سن سبع سنوات، التي تدرس في المستوى الثاني من التعليم الابتدائي.
وأكد آدم أن الأسعار في المتناول رغم أن كتب الطفل باللغة الفرنسية مرتفعة شيئا ما هذه السنة مقارنة بالعام الفارط، فيما المحتوى جيد ويغطي على الثمن.
وقال حميد فاروقي، إن “وجودي مع العائلة في المعرض هو لمعرفة المنشورات الجديدة خصوصا تلك التي تثير فضول هذا الجيل من الأطفال وتستطيع إخراجهم من عالم التكنولوجيا ليمسكوا الكتاب بين أيديهم لمطالعته، وهذا في حد ذاته يدخل في نطاق تربية الطفل على تسلحه بالمعرفة انطلاقا من الكتب الورقية”.
وقالت الطفلة آية فاروقي، إنها جاءت رفقة والديها عدة مرات وإنها تحب اقتناء الروايات الطويلة، وتعتبر علاقتها بالكتاب ليست قوية كفاية لكنها تحاول تقويتها. وتركز حاليا على الكتاب المدرسي ولديها رغبة في الانفتاح على كتابات أخرى خارج المقرر.
وحول إقبال الأطفال على الأروقة الخاصة بهم يقول محمد مرزاق، “إنه يتنامى ومنذ السنة الأولى لافتتاح المعرض ونحن نحاول تقديم الجديد في عالم كتب الأطفال، وبطبيعة الحال نعمل على أن تكون الكتب تحمل بين دفتيها قيما جمالية ووطنية ودينية
وأخلاقية واجتماعية، بالإضافة إلى أن البعد القيمي للكتاب الترفيهي يجب أن يكون قريبا من البعد القيمي الذي تتضمنه الكتب المدرسية حتى لا يتيه الطفل ويقع التشويش على إدراكه”.
أما زينب المشرفة على تلاميذ مدارس سكينة، فقد أكدت أنها فرحة بمرافقتها للأطفال وكل ما بحث عنه الأطفال وجدوه متوفرا إضافة إلى أن التنظيم كان جيدا، أما الأسعار، وخصوصا في مجال قصص الطفل، فهي في رأيها في المتناول حسب نوعية الكتب التي يفضلونها.