العلم لم يصل بعد إلى أضرار مواقع التواصل الاجتماعي على البشر
أكدت مراجعة الدراسات العلمية الحديثة التي تناولت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على البشر، الحاجة إلى المزيد من البحوث والأدلة القطعية على سلبيات هذه المنصات على الصحة النفسية والعقلية للإنسان.
تناولت العديد من الدراسات العلمية الحديثة في عدة مناسبات تأثير مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتوتير وإنستغرام على الصحة العقلية والنفسية للبشر، وذلك في إطار تنامي نسب مستخدمي هذه المواقع على مستوى عالمي وزيادة معدل ساعات تصفح هذه الوسائل الاجتماعية.
ومع ذلك تعد الأدلة العلمية الحاسمة حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صحة الإنسان محدودة بعض الشيء، وذلك لأن هذه المواقع تعتبر حديثة نسبيا في حياة البشر.
وتعتمد الدراسات المتوفرة حاليا على بعض التقارير الذاتية واستطلاعات الرأي، والتي يمكن في الغالب أن تنطوي على بعض العيوب الإجرائية، كما أن أغلب هذه الدراسات تركز على موقع فيسبوك على وجه الخصوص. وعلى الرغم من ذلك يمكن القول إن هذا الحقل البحثي يعد سريع التطور، وقد بدأت بعض الأدلة القليلة في الظهور مؤخرا.
ووفقا لموقع “بي بي سي فيوتشر” البريطاني الذي أجرى مراجعة لبعض النتائج العلمية المتوفرة حتى الآن في هذا الإطار، فإن الناس يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للتنفيس عما بداخلهم، سواء حول موضوعات سياسية أو غيرها، لكن الجانب السلبي في هذا الأمر هو أن تعليقاتهم تشبه في الغالب موجة لا تنتهي من التوتر والضغوط.
وسعى باحثون بمركز “بيو” للدراسات ومقره بالولايات المتحدة في عام 2015 إلى معرفة ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من حدة التوتر لدى المستخدمين أكثر مما تخففها.
وفي استطلاع أجراه المركز وضم 1800 شخص، عبرت النساء عن أنهن يشعرن بتوتر وضغوط أكثر من الرجال عند استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وتوصل الباحثون أيضا إلى أن موقع تويتر يعد مساهما قويا في هذا الشعور، لأنه يزيد من وعي المستخدمين بالتوتر الذي يتعرض له أشخاص آخرون غيرهم. لكن تويتر يمكن أيضا أن يكون وسيلة للتكيف مع التوتر، وبالتالي المساعدة في التخفيف منه.
فكلما استخدمت النساء الموقع أكثر، قل لديهن التوتر. لكن نفس الأثر لم يُسجل لدى الرجال، إذ قال الباحثون إن الرجال أقل ارتباطا بمواقع التواصل الاجتماعي مقارنة بالنساء. وإجمالا، انتهى الباحثون في هذا الاستطلاع إلى أن المواقع الاجتماعية ترتبط بمستويات أقل من التوتر.
كما توصل باحثون في النمسا في عام 2014 إلى أن المشاركين في إحدى دراساتهم تحدثوا عن تراجع في الحالة المزاجية عقب استخدام موقع فيسبوك لمدة 20 دقيقة، مقارنة بأشخاص تصفحوا فقط بعض مواقع الإنترنت في نفس الفترة الزمنية. وقالت الدراسة إن الناس شعروا بهذه الحالة المزاجية المنخفضة لأنهم رأوا أنهم أهدروا وقتهم في استخدام فيسبوك.
لكن الشعور بمزاج جيّد أو سيء يمكن أن ينتشر بين الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقا لباحثين من جامعة كاليفورنيا، الذين قيموا المحتوى العاطفي لأكثر من مليار منشور كتبه أكثر من 100 مليون مستخدم على فيسبوك بين عامي 2009 و2012. وتوصل الباحثون إلى أن منشورا واحدا سلبيا عن حالة الطقس السيء، من شخص يعيش في مدينة ممطرة على سبيل المثال، أثر على منشورات أخرى لأصدقاء له يعيشون في مدن جافة.
لكن الخبر السار أيضا هو أن المنشورات السعيدة تُحدث تأثيرا كبيرا وقويّا، فكل منشور سعيد يلهم 1.75 منشور سعيد أيضا، لكن فكرة أن كل منشور سعيد يمكن أن يعني إحداث تغيير إيجابي وحقيقي في الحالة المزاجية للمستخدمين لا تزال غير قاطعة.
باحثون يتوصلون إلى وجود صلات بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واضطرابات النوم، وإلى أن الضوء الأزرق للشاشات يلعب دورا في ذلك
ودرس عدد من الباحثين مشاعر القلق والاضطراب التي قد تثيرها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تشمل الشعور بعدم الراحة ومشكلات النوم وعدم التركيز.
وتوصلت دراسة نشرت في دورية “الكمبيوتر والسلوك البشري”، إلى أن الأشخاص الذين يقولون إنهم يستخدمون أكثر من منصة للتواصل الاجتماعي يكونون أكثر عرضة لمستويات مرتفعة من القلق بنسبة تزيد على ثلاثة أضعاف، مقارنة بالأشخاص الذين يستخدمون منصة أو اثنتين من منصات التواصل الاجتماعي أو الذين لا يستخدمونها مطلقا.
ومع ذلك لا توجد إلى الآن أدلة قاطعة حول ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تسبب القلق والاضطراب أو حول كيفية حدوث ذلك.
وقال باحثون بجامعة بي بي يو في رومانيا، والذين أجروا في عام 2016 مراجعة واسعة للعديد من الأبحاث التي تتناول العلاقة بين مواقع التواصل والشعور بالقلق الاجتماعي، إن النتائج في هذا الشأن كانت مختلطة. وخلصوا إلى أن هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث حول طبيعة هذه العلاقة.
وفي الوقت الذي توصلت فيه بعض الدارسات إلى أن هناك صلة بين الاكتئاب وبين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، هناك أيضا أبحاث متزايدة حول إمكانية أن تكون هذه المواقع قوة إيجابية دافعه ومحفزة.
وقد توصلت دراسة شملت أكثر من 700 طالب إلى أن أعراض الاكتئاب، مثل الحالة المزاجية السيئة والشعور بعدم قيمة الذات واليأس، كانت مرتبطة بطبيعة ونوع التفاعل على الإنترنت. ولاحظ الباحثون وجود مستويات عالية من أعراض الشعور بالاكتئاب بين هؤلاء الذين كانت لديهم تفاعلات أكثر سلبية على الإنترنت.
وانتهت دراسة مشابهة أجريت عام 2016 وشملت 1700 مستخدم، إلى أن هناك مخاطر بنحو ثلاثة أضعاف للتعرض للاكتئاب والقلق بين الأشخاص الأكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي. وتشمل الأسباب التي تقف وراء ذلك، كما يقولون، أساليب التخويف أو التنمّر التي يتعرض لها البعض وتكوين رؤية مشوّهة عن حياة الآخرين، والشعور بأن الوقت الذي يُقضى على المواقع الاجتماعية وقت مهدر.
ويبحث علماء آخرون عن كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التشخيص المبكر للاكتئاب، وهو ما قد يساعد في العلاج المبكر أيضا.
وقد أجرى باحثون في شركة مايكروسوفت استطلاعا شمل 476 شخصا، وحاولوا من خلاله تحليل ملفاتهم التعريفية على موقع تويتر، بحثا عن إشارات لغوية للاكتئاب أو استخدام لغة تعكس مشاعر معيّنة. وتمكنوا بعد ذلك من تطوير تصنيف يمكن أن يساعد في التنبؤ بدقة بالاكتئاب لدى المستخدمين قبل أن تظهر أعراضه، وذلك في سبع من كل عشر حالات.
كما توصل الباحثون إلى وجود صلات بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واضطرابات النوم، وإلى أن الضوء الأزرق للشاشات يلعب دورا في ذلك.
ويقول الباحثون إن الأمر يتوقف على عدد مرات استخدام تلك المواقع في اليوم الواحد، وعدد الساعات التي تقضى في تصفحها. لكنهم لم يوضحوا ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تتسبب بشكل مباشر في اضطرابات النوم، أو ما إذا كان الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم يقضون وقتا أطول على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالرغم من الطرح الذي يقدمه بعض الباحثين، والذي يتلخص في أنه قد يكون من الصعب مقاومة كتابة التغريدات مقارنة بمقاومة السجائر والكحوليات، فإن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي لم يُسجل في أحدث دليل طبي تشخيصي لاضطرابات الصحة العقلية، فمواقع التواصل الاجتماعي تتغير بوتيرة أسرع مما يمكن للعلماء مواكبتها، وبالتالي هناك مجموعات متعددة تحاول دراسة ما يعرف بالسلوكيات المرتبطة باستخدامها، فعلى سبيل المثال ابتكر علماء من هولندا مقياسا لل