الائتلاف الحكومي المغربي يتعرض لصدمة عنيفة
يمر الائتلاف الحكومي بالمغرب بأكبر أزمة منذ تشكيله في مارس الماضي لا سيما بالنسبة للطرفين القويين فيه وهما حزبا العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار. وبدت الأزمة جلية عقب ما راج حول الغياب الجماعي لوزراء حزب التجمع الوطني للأحرار عن اجتماع مجلس الحكومة في 8 فبراير الجاري، والذي اعتبر “مقاطعة” احتجاجا على تصريحات عبدالإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة السابق، التي انتقد فيها عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (يمين)، وإدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي (يسار) المشاركَيْن في الحكومة.
بن كيران يستغل أية فرصة لمنافسة العثماني من أجل أن يعود إلى المشهد بقوة
لا يتوقف عبدالإله بن كيران عن إثارة الجدل بتصريحات فيها الكثير من الصخب والضجيج، منذ خروجه من الحكومة المغربية، وابتعاده في ديسمبر الماضي عن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية.
وتسببت تلك التصريحات التي تتالت خلال الفترة الماضية، في اهتزاز تماسك الحكومة الحالية برئاسة سعدالدين العثماني الذي بدأ يتحول تدريجيا إلى ما يُشبه رجل الإطفاء الذي يسعى إلى إطفاء الحرائق السياسية المُحيطة بحكومته.
ويبدو أن سعدالدين العثماني سيُواصل سياسة إطفاء الحرائق المُشتعلة هنا وهناك، وخاصة منها تلك المُرتبطة بمناورات عبدالإله بن كيران التي جعلت حكومة العثماني تمر بأسوأ ازمة منذ تشكيلها في مارس الماضي.
وعلى وقع تلك الحرائق، اصطدم العثماني بأزمة خطيرة اقتربت كثيرا من دائرة تصدع الائتلاف الحكومي الذي يرأسه، وذلك في أعقاب غياب وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار برئاسة عزيز أخنوش، عن آخر مجلس حكومي، بالإضافة إلى مقاطعة الاجتماع الذي شارك فيه رئيس الحكومة في مدينة وجدة بشمال شرق المغرب.
وأثارت هذه المقاطعة جدلا متصاعدا، وسط تساؤلات حول طبيعة الخلافات التي أوصلت الأمور إلى هذه الدرجة من التوتر الذي بات يُهدد تماسك الائتلاف الحكومي.
ويضم الائتلاف الحكومي الحالي برئاسة سعدالدين العثماني ستة أحزاب هي العدالة والتنمية (124 مقعدا برلمانيا من أصل 395)، والتجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا)، والحركة الشعبية (27 مقعدا)، والاتحاد الاشتراكي (20 مقعدا)، والاتحاد الدستوري (19 مقعدا)، والتقدم والاشتراكية (12 مقعدا).
ورغم عودة وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار إلى طاولة اجتماعات المجلس الحكومي التي تمت الخميس، فإن ذلك لم يمنع من استمرار الجدل وسط تباين الآراء في تحديد أسباب التوتر وتوصيف الأزمة.
ومع ذلك، تكاد مختلف القراءات التي تناولت هذه الأزمة، تُجمع على أنها إحدى تعبيرات الأزمة الصامتة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، وساهمت تصريحات عبدالإله بن كيران في تحريكها في خطوة وُصفت بالخطيرة بالنظر إلى انعكاساتها على وحدة الائتلاف الحكومي.
وانتقد بن كيران، خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية، عُقد في بداية الشهر الجاري، أمين حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، الذي يتولى حقيبة الزراعة في الحكومة الحالية برئاسة سعدالدين العثماني، دون أن يراعي الضوابط التي على أساسها تم تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي.
وذهب بن كيران بعيدا في انتقاداته، حيث لم يتردد في توجيه تحذيرات مُبطنة لأخنوش قائلا “أحذرك أن زواج المال والسلطة خطر على الدولة”، باعتبار أن عزيز أخنوش يعد واحدا من رجال الأعمال البارزين في المغرب.
وكان لافتا أن حزب التجمع الوطني للأحرار لم يستسغ تلك الانتقادات، وما رافقها من تحذير، ومع ذلك لم يرد عليها، لتأتي تلك المقاطعة التي أظهرت حجم الأزمة التي يواجهها الائتلاف الحكومي.
ومع تواتر الأنباء حول تراجع الضجيج المحيط بهذه الأزمة، الذي عبر عنه سعدالدين العثماني الذي أبدى الخميس ارتياحه إزاء عودة وزراء التجمع الوطني للأحرار (7 وزراء) إلى اجتماعات المجلس الحكومي، وصف مراقبون ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية من تصدع في العلاقات بين الشريكين الرئيسيين في الائتلاف الحكومي، بأنه رسالة سياسية لا يمكن التغاضي عن أبعادها التي قد تتبلور في قادم الأيام لجهة مدى صمود هذا الائتلاف الحكومي. غير أن محمد يتيم، وزير التشغيل والإدماج المهني، سعى إلى التقليل من هذه الأزمة التي كادت تعصف بالأغلبية داخل الائتلاف الحكومي، حيث قال لـ”العرب” إنه لا توجد أزمة، وإن كل ما جرى لا يخرج عن سياق التهويل الإعلامي.
وأكد يتيم، وهو أيضا عضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أنه “لا خوف على تماسك الائتلاف الحكومي بدليل اجتماع الخميس الذي حضره الجميع، والذي عكس انسجاما في العمل الحكومي”.
وفيما اعتبر يتيم أن ما جرى هو شكل من “الحراك السياسي العادي، وإن كان بتعبيرات وخطابات مُتباينة”، رأى عبدالرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الأطلسية والتحليل الأمني، أن الائتلاف الحكومي المغربي يمر بفترة صعبة، بسبب تصريحات بن كيران الذي لا يتوقف عن إثارة الضجيج في سياق الأزمة التي يعيشها حزب العدالة والتنمية.
وقال إن “تذبذب مواقف سعدالدين العثماني وتصريحاته المتناقضة أحيانا بين الحزب والحكومة تترك مجالا كبيرا من الغموض قد يخلق مفاجأة سياسية في أي لحظة”.
واعتبر أن تصريحات بن كيران “تكشف عن اضطراب تعيشه قيادات حزب العدالة والتنمية في تقدير المشهد السياسي، وهو أمر لا يرتبط بعوامل داخلية وإنما الانتقالات التي تعيشها الأحزاب الإسلامية في المنطقة المغاربية نتيجة التحولات التي وقعت في النظام الدولي والتي قادت إلى تراجع نفوذ الإسلاميين”.
وشدد على أن حزب العدالة والتنمية “يجتاز مرحلة انتقالية صعبة تقطعها تصريحات بن كيران الذي بقدر ما تعبر عن مقاومته للزمن السياسي الراهن، فإنها تعكس أيضا شعوره بدخول مرحلة اللحظات الأولى لبداية حقبة عزلته”.