الحكومة الجزائرية تطلق جرس الإنذار: الإفلاس خلال عامين
مخاطر كبيرة لرفع الدعم عن أسعار الوقود والمواد الاستهلاكية، وعجز السلطات عن ضبط خارطة اجتماعية لمستحقي الدعم.
لم يتوان مسؤولون في الحكومة الجزائرية عن إطلاق أجراس الإنذار خلال الأيام الأخيرة، حول إفلاس محتمل للبلاد في غضون العامين المقبلين، في ظل المؤشرات السلبية للاقتصاد المحلي والافتقاد للبدائل الناجعة في المدى المتوسط، ما دفع الحكومة إلى التلويح بالاستدانة الخارجية ورفع الدعم عن المواد الاستهلاكية بداية من العام القادم.
وكشف مدير البنك المركزي الجزائري محمد لوكال، في عرض لحصيلة هيئته أمام نواب البرلمان، أن رصيد النقد الأجنبي للبلاد بلغ عند نهاية العام المنقضي 97.3 مليار دولار، وهو ما يمول 24 شهرا من الواردات لتلبية الحاجيات المحلية، ويؤكد على أن الأزمة الاقتصادية استنزفت نصف الرصيد خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وتزامنت معطيات البنك المركزي حول الوضعية المالية والاقتصادية في الجزائر، مع تصريحات متشائمة أدلى بها وزير المالية عبدالرحمن راوية، حول ما أسماه بـ”خطر الإفلاس” الذي يهدد البلاد في المدى القريب، وأن الحكومة تتجه إلى فرض خيارات أكثر إيلاما للجبهة الاجتماعية، من خلال رفع الدعم عن المواد ذات الاستهلاك الواسع بداية من العام القادم.
وأشار وزير المالية في اجتماع بين وزراء المالية العرب وصندوق النقد الدولي في دبي، إلى أن الجزائر سترفع الدعم عن الوقود خلال العام القادم، وسيتبع ذلك رفع مماثل على المواد الاستهلاكية المدعومة في العام الموالي 2020، وهو الأمر الذي شكل صدمة قوية للرأي العام الداخلي.
وكانت هيئات مالية دولية وخبراء اقتصاديون قد وجهوا انتقادات شديدة للسلطة الجزائرية، على خلفية عشوائية الدعم الذي تستفيد منه الفئات الثرية والصناعيون والشركات، بنفس الهامش أو أكثر من العائلات المعوزة والفقراء.
ولا تزال الحكومة في حالة تخبط أمام مخلفات الأزمة الاقتصادية، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات، بحيث عجزت عن الاستقرار على استراتيجية اقتصادية معينة، وهو ما أشار إليه تقرير البنك المركزي الجزائري الذي تحدث عن سيولة نقدية تقدر بنحو 44 مليار دولار، متداولة في السوق الموازية.
وذكر محمد لوكال أن الجزائر سجلت “تراجعا في الصادرات خارج المحروقات خلال العام 2017، مقارنة بالعام الذي سبقه، وقدرها بـ1.3 مليار دولار، وهو ما يرسخ التبعية المفرطة لمداخيل النفط والغاز″، ويعكس عجز الحكومة عن تفعيل القطاعات المستدامة كالزراعة والسياحة.
وكان وزير التجارة محمد بن مرادي، قد ذهب في نفس المنحى، خلال تصريح له لوكالة الأنباء الرسمية، حيث أكد أن “الجزائر لا تجد ما به تستورد حاجيات البلاد، بما فيها الغذاء، خلال سنتين إلى ثلاث سنوات، إذا استمر الوضع الاقتصادي على هذه الوتيرة، وأن حظر نحو 900 مادة من الاستيراد، لا يوفر للخزينة إلا مبلغ مليار ونصف مليار دولار”.
وعبر خبراء اقتصاديون عن مخاوفهم من خيار رفع الدعم عن المواد الأساسية على الاستقرار الاجتماعي، وعجز الحكومة عن إعداد خارطة اجتماعية دقيقة حول وضعية العائلات الفقيرة المعنية باستمرار دعم الحكومة لها عبر آليات غير مباشرة.
وصرح الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس بأن “الحكومة تأخرت كثيرا في سياسة الدعم الاجتماعي العشوائي، الذي ساوى بين الأثرياء والصناعيين والشركات وبين الفقراء في الاستفادة من ريع الخزينة العمومية، لكن الخطر يكمن في مدى قدرة الحكومة على إعداد خارطة اجتماعية حقيقية، للاستفادة من الدعم غير المباشر”.
وأردف وزير المالية في تصريحات موالية لطمأنة الرأي العام، بأن “الحكومة لن توقف دعم المواد الاستهلاكية، وإنما تقوم بمراجعة آلية الدعم المباشر والعشوائي، ليصل إلى أصحابه الحقيقيين وليس لفئات أخرى، ما يمكن الخزينة العمومية من تقليص معتبر للإنفاق العمومي”.
وصرح رئيس الحكومة السابق والخبير الاقتصادي أحمد بن بيتور بأن “الجزائر تسير نحو مخاطر المجهول، بسبب الخيارات الفاشلة للحكومات المتعاقبة منذ مطلع الألفية، وأن البلاد ستكون عاجزة في غضون العامين المقبلين عن استيراد حتى المواد الأساسية”.
وقال إن “السلطة تروج لرفض الاستدانة الخارجية، ليس من قبيل المسائل السيادية، بل لإدراكها المسبق بأنه ليس بإمكانها تحصيل مديونية من الخارج لأسباب موضوعية تتعلق بالضمانات المطلوبة وآليات الحكم الراشد، لا سيما بعد الفشل في توظيف مداخيل 1000 مليار دولار في الـ15 سنة الأخيرة”.