تتويج الفائزين بجوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة في المغرب
كانت أبوظبي ولندن المكانيين اللذين شهدا انبثاق المركز العربي للأدب الجغرافي “ارتياد الآفاق” سنة 2000، وهي المبادرة الأولى من نوعها في الثقافة العربية هدفها إحياء الاهتمام بأدب الرحلة العربي وبالأدب الجغرافي بصورة عامة بوصفه أدبا للتواصل بين الثقافات العربية والعالمية. وقد خص المشروع جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة التي تواصل نجاحاتها عاما بعد آخر تأكيدا على جدية وأهمية رهانها.
شهد البرنامج الثقافي المرافق لفعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء المستمرة حتى الـ19 من شهر فبراير الجاري، حفل توزيع جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة برسم دورة 2017-2018، الأحد 11 فبراير الجاري، والتي ينظمها المركز العربي للأدب الجغرافي، وحضر الحفل وزير الثقافة المغربي محمد الأعرج، وعدد كبير من المثقفين والأدباء وجمهور من المتابعين للشأن الثقافي المغربي والعالمي.
بداية نوه وزير الثقافة، محمد الأعرج، بالحفل التكريمي المتميز متمنيا للفائزين المزيد من التألق والإنتاجية الرصينة التي تثري الخزانة العربية بهذا الصنف الحيوي من الأدب الذي يمد جسرا حواريا هاما بين الحضارات ويوفق بين الجغرافيات الإنسانية والطبيعية والثقافية.
وأكد الأعرج أن الجائزة التي تحمل اسم الرحالة الشهير محمد بن عبدالله اللواتي المعروف بابن بطوطة، الذي تحل في شهر فبراير من كل عام ذكرى ميلاده منذ أكثر من سبعة قرون، قد قطعت مسارا غنيا منذ إحداثها سنة 2003 من طرف المركز العربي للأدب الجغرافي، مضيفا أنها راكمت ذخيرة مهمة من الأعمال التي تغني هذا النمط الأدبي كتابة وبحثا وتحقيقا.
وفي جملة تلخص أدب الرحلة قال نوري الجراح، مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي، أن ترى العالم بعيون كثيرة هو أدب الرحلة، موضحا أن هذه هي المرة الرابعة عشرة التي تتحول فيها الجائزة إلى بوابة أساسية في الثقافة العربية، ورصد لهذا الجنس الأدبي العريق والأساسي في الثقافة العربية منذ كتابات الجغرافيين الأوائل.
من بين الباحثين الذين فازوا بالجائزة يقدم كتاب “المغرب والغرب” لصاحبه عبدالنبي ذاكر، باحث من المغرب، دراسة صورلوجية مقارِنة عمدت إلى التحليل الأدبي لصورة المغرب في عيون الغرب
وتنويها بجائزة ابن بطوطة قدم وزير الثقافة محمد الأعرج درعا تكريميا للشاعر نوري الجراح، مدير المركز تذكيرا بالجهود التي بذلها مشروع ارتياد الآفاق الذي يرعاه الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، ويرعى معه عددا من المشروعات الثقافية الرائدة لتشجيع البحث في أدب الرحلة.
جوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة يمنحها المشروع الجغرافي العربي الأول من نوعه “ارتياد الآفاق”، الذي يواصل إنجازاته الأدبية والعلمية، حسب نوري الجراح، بفضل نخبة كبيرة من الباحثين الأكاديميين والأدباء العرب مشارقة ومغاربة ممن زودوا المركز بأعمالهم وكشوفاتهم الأدبية والعلمية في حقل أدب السفر من يوميات وأبحاث وتحقيقات أنجزوها تحت مظلة المركز وجائزته وندوته العلمية السنوية.
وأوضح الناقد عبدالرحمن بسيسو، سفير فلسطين في سلوفاكيا وعضو لجنة تحكيم الجائزة، أن الجائزة تواصل سعيها منذ خمسة عشر عاما لتحقيق رسالتها، وأنّ من المغرب انفتحت أولى الرحلات، ومنه تستمر الرحلة عاما بعد آخر، “وإننا نتوق لأن تتواصل إلى أمد مفتوح على مستقبل مفتوح”.
فاز بجائزة ابن بطوطة للدراسات في أدب الرحلة، ثلة من الباحثين من دول عربية إلى جانب باحثة من إيران، وهم رشأ الخطيب من الأردن وأمير العمري من مصر وكمال الرياحي من تونس وتيسير خلف من سوريا ومريم حيدري من إيران، ومن المغرب نال الجائزة كل من عبدالرحيم حزل والمهدي الغالي وأحمد بوغلا وعزالعرب معنينو ورشيد أركيلة وسليمان القرشي وعبدالنبي ذاكر.
وذكر نوري الجراح أن المؤلفات الفائزة هذا العام تؤكد تطور حضور أدب الرحلة ودراساته في الثقافة العربية، بما يكشف باستمرار عن جديد ممتع ومكتنز بالمعارف. وفي الكتب الفائزة هذا العام أعمال تحقق للمرة الأولى ودراسات تقدم كشوفا غير مسبوقة في نصوص الرحلة وفق مناهج حديثة ورؤى متجددة. كذلك فإن اللافت هذا العام أكثر من أي عام مضى رسوخ قدم المغاربة في أرض الكتابة والتحقيق والبحث في أدب الرحلة وهو أمر ينبهنا إلى أمرين؛ أولا الدور المتعاظم للجائزة ولمشروع ارتياد الآفاق في حض الأدباء والدارسين العرب على تطوير البحث والكتابة في هذا المضمار، وثانيا تلك الاستجابة الاستثنائية التي عبرت عنها الأكاديميا المغربية في رفد مكتبة التحقيق والبحث في أدب الرحلة وتطوير صيغ تواصل عملية مع مشروع ارتياد الآفاق وجائزة ابن بطوطة.
ومن بين الباحثين الذين فازوا بالجائزة يقدم كتاب “المغرب والغرب” لصاحبه عبدالنبي ذاكر، باحث من المغرب، دراسة صورلوجية مقارِنة عمدت إلى التحليل الأدبي لصورة المغرب في عيون الغرب، مقايسة بصورة الغرب في عيون المغاربة، فيما تتبع الكاتب والباحث السوري تيسير خلف في كتابه “من دمشق إلى شيكاغو” رحلة رائد المسرح العربي أبي خليل القباني إلى أميركا سنة 1893.
فاز بجائزة ابن بطوطة للدراسات في أدب الرحلة، ثلة من الباحثين من دول عربية إلى جانب باحثة من إيران
أما المصرية رشأ الخطيب فقد فازت بجائزة عن كتابها “أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي، آفوقاي، المترجم والرحالة والسفير”، وهو شخصية أندلسية-موريسكية، يرافق مرحلة تاريخية جد حرجة تتعلق بأفول الوجود الإسلامي بالأندلس. وتوثيقا لرحلة أنثوية، فاز بوشعيب الساوري، عن كتابه الموسوم بـ”اثنتا عشرة سنة من الاستعباد”، ويحكي عن رحلة أسيرة هولندية في بلاد المغرب 1731-1743، وهي الهولندية ماريا تير ميتلين، التي سقطت أسيرة في يد القراصنة المغاربة وتركت نصا عن رحلتها يرصد الحياة اليومية في مغرب أواسط القرن الثامن عشر.
وبخصوص الفائزين هذا العام أكد عبدالرحمن بسيسو أن لجنة هذا العام كما الأعوام السابقة لم تذهب أبدا إلى وضع معيار جديد، غير المعايير التي كانت تنتهجها من قبل، وبالتالي احتكمت إلى معايير مسبقة الوضع واطلعت على النصوص واستشارت آخرين وأعطت النصوص لعدد غير قليل من الكتاب والباحثين المرموقين لقراءتها وإبداء الرأي فيها وقد فاز من فاز على هذا الأساس.
وهذا لا يعني أن النصوص الأخرى التي لم تفز لم تكن في المستوى اللائق أو لا تتضمن أشياء جديدة، ولكن حسب بسيسو هناك دائما في المسابقات تفضيلات وأشياء تفرض نفسها استنادا إلى المعايير السابقة، ونتطلع نحن كمثقفين وكتاب إلى قراءة هذه النصوص وتوزيعها في أسرع وقت.
وتألفت لجنة التحكيم من خمسة أعضاء مختلفي التوجهات الأدبية والجغرافية والاجتماعية، وهم الطايع الحداوي، وخلدون الشمعة والناقد مفيد نجم، ونوري الجراح ووليد علاء الدين. ناقشو 37 مخطوطا من عشرة بلدان توزعت على الرحلة المعاصرة بصورة أكبر والمخطوطات المحققة والدراسات في أدب الرحلة بصورة أقل.
واعتبر عبدالرحمن بسيسو أن هذه لحظة بهجة تأتي من مشاركتنا جميع الفائزات والفائزين بجائزة ابن بطوطة لهذا العام، وأما الأمل فهو في ابن بطوطة نفسه المغربي الذي اجتاز المسافات ليترك لنا كتبا في الرحلة ويفتح أمام الرحالة العرب وغير العرب أبعد الآفاق التي يدعونا الآن كما دعانا منذ ذلك الوقت إلى ارتيادها.