السعودية ترفع اليد عن مساجد تروج للتطرف في الخارج
الرياض تقبل مقترحا للتخلي عن إدارة المسجد الكبير ببلجيكا في خطوة تساعد في تحسين صورة المملكة.
وافقت السعودية على التخلي عن إدارة أكبر مساجد بلجيكا وذلك في رسالة واضحة على أنها ستوقف الدعم للمساجد والمدارس الدينية التي تتهم بالترويج للإسلام المتطرف، وذلك في سياق نأي المملكة بنفسها عن الأفكار المتشددة داخليا وخارجيا ضمن مسعى إصلاحي واسع يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وكانت بلجيكا قد أعارت المسجد الكبير للسعودية في العام 1969 الأمر الذي أتاح لأئمة تدعمهم الرياض التواصل مع جالية متنامية من المهاجرين المسلمين مقابل الحصول على النفط بأسعار تفضيلية للصناعات البلجيكية.
وتريد بروكسل حاليا تقليص الروابط بين الرياض والمسجد الواقع قرب مقر الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بسبب رغبتها في إحكام المراقبة على مختلف المساجد ومنع المتشددين من توظيفها في الدعاية لأفكارهم.
وتشير السرعة التي قبلت بها الرياض ذلك إلى استعداد جديد من جانب المملكة للتأكيد على الاعتدال الديني وهو ما يمثل واحدا من الوعود الطموحة التي قطعها الأمير محمد بن سلمان بمقتضى خططه لإجراء إصلاحات واسعة في السعودية.
ويتزامن الاتفاق، الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي، مع مبادرة سعودية جديدة لم تعلن على الملأ، لكن مسؤولين غربيين ذكروا بعض جوانبها لرويترز وتهدف إلى إنهاء دعم المساجد والمدارس الدينية في الخارج والتي توجه إليها اتهامات بنشر الأفكار المتشددة.
ويمثل التحرك باتجاه الاعتدال الديني، والابتعاد عن التفسير المتشدد للدين والذي تعتنقه الجماعات المتطرفة الحديثة، مجازفة بإطلاق رد فعل سلبي في الداخل وربما يؤدي إلى فراغ يملأه الأصوليون.
غير أن الدبلوماسي البلجيكي ديرك آشتن الذي رأس وفدا حكوميا إلى الرياض في نونبر رأى في ما أخذته السعودية في الآونة الأخيرة من خطوات نحو الاعتدال الديني “فرصة”.
وقال آشتن للبرلمان البلجيكي الشهر الماضي في أعقاب الزيارة التي رتبت على عجل بعد أن حث البرلمان الحكومة على فسخ عقد إعارة المسجد بلا إيجار للسعودية لمدة 99 عاما “السعوديون ميالون للحوار بلا محاذير”.
غير أنه حذر أيضا من أن “البعض لا يعترف أو لا يكاد يعترف، بأن هذا الشكل من أشكال السلفية يقود إلى التطرف”.
وقال وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون إن التفاوض ما زال جاريا على تفاصيل تسليم المسجد لكن الأمر سيعلن الشهر المقبل.
وتستهدف بلجيكا من الاتصالات الدبلوماسية بقيادة وزيري خارجية البلدين منع ما وصفه جامبون بأنه “رد مبالغ فيه” من جانب السعودية فيما يشير إلى أن الحكومة البلجيكية سعت لضمان عدم حدوث رد فعل دبلوماسي سلبي.
وقال جامبون إن الوضع “تحت السيطرة” في أعقاب زيارة لبلجيكا قام بها الشهر الماضي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
وقبل أن تتولى السعودية إدارته في أواخر الستينات من القرن الماضي كان المسجد الكبير عبارة عن مبنى غير مستخدم شيد لكي يكون الجناح الشرقي في المعرض الكبير في العام 1880.
وحولت الأموال السعودية المبنى إلى مسجد لكي يسد احتياجات مهاجرين من المغرب استقدمتهم الحكومة للعمل في مناجم الفحم وفي مصانع البلاد. وتتولى رابطة العالم الإسلامي التي تتخذ من مكة مقرا لها إدارة المسجد. والرابطة مؤسسة دعوية تمولها السعودية.
وتبين استطلاعات الرأي أن المخاوف بشأن المسجد تزايدت بعد أن بدأت جماعات متطرفة مثل تنظيم داعش تجنيد أحفاد هؤلاء المهاجرين الذين يقول الكثيرون منهم إنهم لا يشعرون بالانتماء إلى المجتمع البلجيكي.
ويمثل المقاتلون الأجانب الذين سافروا من بلجيكا إلى سوريا نسبة أكبر من أي بلد آخر في أوروبا وذلك بالمقارنة مع عدد السكان.
ويشير مسؤولون بلجيكيون الآن إلى أن الهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا، والتي تعتبر وثيقة الصلة بالجهات الرسمية في المغرب، يجب أن تدير المسجد الكبير.
ويقول قادة بلجيكيون إنهم يريدون أن يدعو المسجد إلى “إسلام أوروبي” يتفق أكثر مع قيمهم وهي نغمة مألوفة تتردد كثيرا في مختلف أنحاء أوروبا في أعقاب الهجمات التي شنها داعش في السنوات القليلة الماضية.
واعتبر باحث عربي متخصص في الإسلام السياسي تخلي السعودية عن إدارة المسجد الكبير في بلجيكا، ثم الإشارة إلى تخليها عن إدارة المساجد التي حظيت بدعمها، من الناحية الدينية، ليس منفصلا عن سياسة الاعتدال الذي هو جوهر السياسة السعودية الجديدة، في مواجهة الإرهاب والتطرف الديني.
وأشار الباحث في تصريح لـ”لأخبارنا الجالية” إلى أن المتطرفين، وبينهم مِن يُكفر الدولة السعودية نفسها، اتخذوا من هذه المساجد أمكنة للنشاط الديني، مشددا على أن السعودية ستقطع بهذا الإجراء دابر تلك السمعة النمطية عنها في احتضان تلك المساجد، وأن إعادتها للدول الأوروبية، يجعل تلك الدول تتحمل مسؤولية ما يصدر عن تلك المساجد من ممارسات أو أفكار متطرفة.
وترتبط المساجد التي أشرفت عليها السعودية في أوروبا عادة بالتطرف، واعتقد الكثيرون أنها غدت أوكارا للتشدد الديني.
وأحدثت وقائع العام 1979 تبدلا سريعا بالمنطقة، بتصاعد الصحوة الدينية، وكانت المؤثرات حوادث كبرى: الثورة الإيرانية والجهاد بأفغانستان، وحركة الجماعة المحتسبة بقيادة جهيمان العتيبي، ومنذ ذلك الوقت تبدلت الأجواء بالسعودية، وأخذ المد الديني يستفحل في المجتمع، وهذا ما عبر عنه الأمير محمد بن سلمان، عندما أكد على ضرورة العودة إلى ما قبل 1979.