غضب الأطباء يخرق حظر التظاهر في العاصمة الجزائرية
صعّد الأطباء الجزائريون من احتجاجاتهم التي نجحوا في نقلها من أسوار مستشفى مصطفى باشا في العاصمة إلى أمام مقر البرلمان، وهو ما يشكل مصدر إزعاج حقيقي للسلطة، على اعتبار أن الانفجارات الاجتماعية، تنطلق من العواصم والمدن الكبرى.
خرق الأطباء المقيمون حاجز حظر التظاهر المفروض في العاصمة الجزائرية منذ مطلع الألفية، وتمكنوا أمس الإثنين من الخروج من أسوار أكبر مستشفيات العاصمة (مصطفى باشا)، نحو ساحة البريد المركزي، وأمام مبنى البرلمان بوسط العاصمة.
وقررت الحكومة منذ 2001 منع كل أشكال التظاهرات في العاصمة الجزائرية عقب تظاهرات دامية أسفرت عن العديد من القتلى.
ورغم الإمدادات الأمنية التي وفرتها وزارة الداخلية، لإجهاض مسيرة الأطباء، ومحاولات تطويقهم في مجموعات صغيرة، إلا أن المئات منهم انفلتوا ووصلوا إلى مبنى البرلمان، للتعبير عن مطالبهم المهنية والاجتماعية، المرفوعة منذ عدة أشهر.
وتطالب نقابتهم بإلغاء الخدمة المدنية بعد نهاية سنوات التخصص (4 أو 5 سنوات بحسب الاختصاص، إضافة إلى سبع سنوات في الطب العام)، والتي تجبرهم على العمل بين سنة وأربع سنوات في المناطق النائية. وزيادة على ذلك يؤدي الذكور منهم سنة إضافية هي عبارة عن خدمة عسكرية.
كما يطالبون بتحسين مستوى التعليم في التخصص ومراجعة القانون الأساسي للطبيب المقيم، إضافة إلى الاستفادة من الإعفاء من الخدمة العسكرية بعد سن الثلاثين كما هي الحال بالنسبة لكل الجزائريين.
ويشن الأطباء المقيمون، وهم الفئة التي تستكمل الدراسة والتكوين من أجل الحصول على شهادة تخصص طبي، إضرابا جزئيا دخل شهره الثالث، كما ينظمون أسبوعيا وقفات واعتصامات احتجاجية، داخل مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، بعدما منعوا من طرف قوات الأمن في عدة مرات من التظاهر في شوارع العاصمة.
ورغم حالات التدافع بينهم وبين عناصر الأمن، إلا أنه لم تسجل تصرفات قمعية أو اعتداءات جسدية على المتظاهرين، وفق تعليمات تلقتها قوات الأمن من طرف قيادتها، لتلافي استعمال العنف.
وكانت وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن تعرضت لموجة من الانتقادات على خلفية الاعتداءات والإصابات التي سجلت لدى الأطباء خلال الأسابيع الماضية.
وما زالت القبضة الحديدية شديدة بين الأطباء المقيمين، ووزارة الصحة وإصلاح المستشفيات، حيث تبادل الطرفان اتهامات إفشال جلسات الحوار المنعقدة بين الطرفين، ودخول بعض المؤسسات على خط الوساطة بينهما.
وتعزز موقف الأطباء بعد الإضرابات التضامنية التي شنها أطباء أخصائيون وأساتذة المستشفيات في العديد من المستشفيات الحكومية، فضلا عن تزامنه مع حراك اجتماعي يخوضه أساتذة ومعلمو قطاع التربية، والإضراب الشامل المقرر من طرف ما يعرف بالتكتل النقابي المستقل نهار الغد الأربعاء، ليشمل مختلف القطاعات الإدارية والخدماتية المنتسبة للوظيفة العمومية.
ونزل العديد من النواب البرلمانيين للتعبير عن تضامنهم مع إضراب الأطباء، لا سيما المنتمين إلى الكتل النيابية المعارضة، متهمين السلطة بالسير بالقطاع نحو الانزلاق بسبب التجاهل المستمر للانشغالات والمطالب المرفوعة من طرف المحتجين.
وعبّر النقابي والنائب البرلماني عن تحالف النهضة والعدالة والبناء مسعود عمراوي، في تصريح لوسائل الإعلام، عن موقفه المتضامن مع الأطباء، والداعي إلى الاستجابة للمطالب المهنية والاجتماعية المرفوعة، وإلى ضرورة نزول الحكومة للتفاوض مع المحتجين.
وقال “الأغلبية البرلمانية ما زالت تلتزم الصمت أو تدعم موقف الحكومة، والنواب الحقيقيون هم من يتفاعلون مع نبض الشارع وصوت الشعب، وعلى الحكومة إلغاء الخدمة العمومية وواجب الخدمة الوطنية لهؤلاء، لأنهم فئة استثنائية تضحي بسنوات شبابها في الدراسة والاجتهاد من أجل خدمة وطنها وشعبها”.
وفي خطوة لاحتواء الاحتقان الذي يعرفه قطاع الصحة في البلاد، قرر رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) سعيد بوحجة، استقبال وفد من الأطباء المقيمين في مكتبه، للاستماع إلى انشغالاتهم وأداء دور وساطة بينهم وبين الحكومة.
واستمر اعتصام الأطباء في ساحة البريد المركزي وأمام مبنى البرلمان إلى غاية مساء الإثنين، ولم يستبعد مراقبون صدور قرار حاسم من مؤسسة الرئاسة لاحتواء الموقف، تفاديا لأي تطور يأخذ أبعادا سياسية واجتماعية، خاصة وأن اختراق حظر التظاهر في العاصمة ينطوي على رمزية خاصة، ويشكل مصدر إزعاج حقيقي للسلطة، على اعتبار أن الانفجارات الاجتماعية الكبرى تنطلق من العواصم والمدن الكبرى.
وكانت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني البرلمانية، قد رفضت استقبال المحتجين، وهو ما يكون قد دفع رئيس الغرفة للعمل على احتواء غضب الأطباء المتصاعد من خذلان الحكومة والهيئات النيابية لهم.
وتعيش الجزائر منذ مطلع العام الجديد على وقع احتقان اجتماعي تقوده العديد من الفئات الاجتماعية، بسبب إمعان الحكومة في سياسة التقشف والتقليص من الإنفاق العمومي.