البطالة بين صفوف الشباب في المغرب ‘قنبلة موقوتة’
يبعث ارتفاع ظاهرة البطالة قلقا اجتماعيا في المغرب الذي يعيش مؤخرا تحركات احتجاجية في بعض المناطق الريفية تنديدا بالفقر والتهميش، وتتمثل الأسباب الرئيسية لمعضلة البطالة في تراجع النظام التعليمي الذي بات لا يتلاءم مع شروط سوق العمل، حيث تشمل البطالة أصحاب الشهادات العليا من الشباب الذي يمثل ثلث سكان المملكة، كما أن برنامج الاقتصاد المغربي بات عاجزا في توفير فرص عمل كافية للجنسين، ولإيجاد حلول تلبي حق الشباب في العمل دعا الملك محمد السادس إلى إعادة النظر في النموذج التنموي بالبلاد والعمل على بلورة سياسة تنموية جديدة.
تعد البطالة في المغرب قنبلة موقوتة ومسألة يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ، إذ أنها تطال أكثر من أربعة من شبان المدن من أصل 10، في مشكلة تعتبر سببا رئيسيا للقلق الاجتماعي الذي يُنمّي مشاعر الإحباط والاستياء في المملكة.
وبات مستقبل الشباب موضوع الساعة أكثر من أي وقت مضى في المملكة التي شهدت في الأشهر الأخيرة حركات احتجاج غالبا ما يقودها شبان عاطلون عن العمل.
وبحسب أرقام هيئة الإحصاءات المغربية التي نشرت الأسبوع الماضي، فأن معدل البطالة في المملكة تخطى في نهاية 2017 نسبة 10.2 مقابل 9.9 بالمئة عام 2016.
وتطال البطالة خصوصا الشبان الذين تُراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما بنسبة 26.5 بالمئة مع معدل بطالة وصل إلى أكثر من 42 بالمئة بين شبان المدن. وقال المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي إن “بطالة الشباب ليست ظاهرة جديدة لكنها أصبحت بنيوية مع تراجع النظام التربوي والتنوع الضعيف للنسيج الإنتاجي الوطني”.
وأضاف أن “تراجع فرص العمل لا يشجع الأهل على الاستثمار في تعليم أولادهم. وهذا يساهم إلى حد كبير في تراجع النظام التربوي”.
أسهمت خيارات الملك محمد السادس ورؤيته الاقتصادية في رفع مستويات المعيشة في المناطق الحضرية والساحلية، والنهوض بمكانة البلاد في الخارج.
قال خبير الاقتصاد العربي الجعايدي إن هذه المعضلة مرتبطة أيضا بـ”التباين الديموغرافي في هذا البلد البالغ عدد سكانه أكثر من 35 مليون نسمة ويحاول إعادة تشكيل هرم الأعمار (…) مع دخول عدد أكبر من الشبان سوق العمل”.
وأوضح الجعايدي أن “الاقتصاد المغربي بالرغم من أنه استفاد من نمو بنسبة 4 بالمئة بالمقارنة مع 1.2 بالمئة فقط عام 2016، إلا أنه “لم يستحدث وظائف كافية مقارنة مع عدد الشبان الذين دخلوا سوق العمل”.
وبحسب المندوبية السامية للتخطيط فإن حملة الشهادات أكثر عرضة للبطالة من أولئك الذين لم ينهوا دراساتهم. وحاولت الحكومات التصدي للتوتر الاجتماعي بقطع وعود باستحداث وظائف في القطاع العام.
وفي شوارع العاصمة الرباط بين المباني الإدارية والأبنية السكنية، لكن لا يزال حملة الشهادات الجامعية العاطلون عن العمل يطالبون منذ سنوات بحقهم في الحصول على وظائف في القطاع العام الذي يضمن الاستمرارية.
كما يعاني حملة الشهادات تراجع النظام التعليمي وعدم ملاءمته مع سوق العمل. وقال أشرف (25 عاما) وهو يحمل شهادة في إدارة الأعمال “تحصل على شهادة جامعية ثم تجد نفسك في الشارع”. وأضاف الشاب الذي يتظاهر منذ عامين دون نتيجة “تتحمل الحكومة المسؤولية”.
وتشمل البطالة أيضا النساء مع معدل نسبته 14.7 بالمئة مقابل 8.8 بالمئة بين الرجال. وأوضح لحليمي أن “هذا الفارق يعود جزئيا إلى إعطاء الأهل أولوية للذكور على حساب الإناث ناهيك عن التمييز في الرواتب”.
وكانت وزارة الشغل المغربية كشفت في شتنبر الماضي أنها تسعى إلى وضع خطط لتحديث أنظمة وبرامج التعليم لتكون أكثر استجابة لحاجات سوق العمل لمعالجة وخفض نسب البطالة.
وقال وزير الشغل محمد يتيم إن “المغرب الذي يضم أكثر من 1.1 مليون عاطل عن العمل، معظمهم من الشباب، يهدف إلى خفض معدل البطالة إلى أقل من 8.5 بالمئة بحلول 2022، بعد أن ارتفعت في يونيو إلى 9.3 بالمئة”.
ونسبت وكالة الأناضول إلى الوزير قوله إن الحكومة تسعى إلى استحداث 200 ألف فرصة عمل جديدة سنويا للوصول إلى ذلك الهدف. وأكد يتيم ضرورة إيجاد توليفة بين مخرجات التعليم والتدريب من جهة، وسوق العمل وما يحتاجه من وظائف في قطاعات محددة من جهة أخرى. وكان المغرب قد أعلن خلال السنوات الماضية عن أكثر من برنامج لهذا الغرض.
العربي الجعايدي: الاقتصاد المغربي لم يستحدث وظائف كافية للشباب العاطل عن العمل.
تحذر وسائل الإعلام المحلية بانتظام من ارتفاع معدل البطالة خصوصا بين الشباب، الأمر الذي يفاقم الاستياء الاجتماعي في البلاد التي شهدت مؤخرا احتجاجات ضد البطالة والفقر والتهميش.
وكان الملك محمد السادس اعتبر في خطاب ألقاه في أكتوبر الماضي أن التقدّم المحرز لا يعود بالفائدة على “الشباب الذين يمثّلون أكثر من ثلث عدد السكان” (بالمملكة).
وأضاف أن النموذج التنموي المغربي أصبح حاليا “غير قادر على الاستجابة” لمطالب شعبه، داعيا الحكومة إلى “إعادة النظر فيه”. ولفت إلى أن “التقدّم الذي يعرفه المغرب لا يشمل مع الأسف كل المواطنين وخاصة شبابنا، الذي يمثّل أكثر من ثلث السكان”، داعيا إلى بلورة “سياسة جديدة مندمجة للشباب”.
وقد أسهمت خيارات الملك محمد السادس ورؤيته الاقتصادية في رفع مستويات المعيشة في المناطق الحضرية والساحلية، والنهوض بمكانة البلاد في الخارج وتدشين استثمارات في الكوت ديفوار وغيرها من البلدان الواقعة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
لكن الاستياء الشعبي يتنامى في البعض من المناطق الفقيرة بسبب تواصل أزمة البطالة، في الوقت الذي تطبّق فيه الحكومة إصلاحات العملة وخفض الدعم لدفع عجلة النمو الاقتصادي.
وكان صندوق النقد الدولي الذي عقد مؤخرا اجتماعا إقليميا في المغرب، دعا في يناير الماضي سلطات المملكة إلى “الحد من مستويات البطالة التي لا تزال مرتفعة ولا سيما بين الشباب”، فيما شدّد البنك الدولي في وقت سابق على وجوب معالجة هذه المسألة “بجدية كبيرة”.
وفي نهاية المطاف غالبا ما يلجأ الباحثون عن عمل سواء كانوا من حملة الشهادات أو غيرهم إلى نظام بديل بعد أن انتابتهم الخيبة لعدم إيجاد وظائف. وقال الجعايدي إن “الإمكانية الوحيدة لدمج الشباب عندما ينجحون في تحقيق ذلك هي السوق غير الرسمية مع هشاشة الوظائف والرواتب وغياب الضمان الاجتماعي”.
تلك هي حال مهدي (28 عاما) الذي يوزّع في الرباط كتيبات دعائية مرتين في الأسبوع لقاء 50 يورو شهريا ويرسل في الأثناء سيرته الذاتية بحثا عن وظيفة ثابتة.
وقال الشاب الذي تخرّج من مدرسة للطهو قبل سنوات ولم يجد أبدا وظيفة في مجاله، “ليس لديّ عقد عمل ولا ضمان صحيا”.