احتجاجات الجزائر.. مطالب عمالية أم سباق انتخابي قبل أوانه
تشهد الجزائر منذ بداية العام الجديد إضرابات واحتجاجات ومسيرات شملت الأطباء والممرضين المدرّسين وطلبة الجامعات وقدماء الجيش. وفي الوقت الذي اتهم فيه حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، أطرافا لم يسمّها بالتحريض على هذه الاحتجاجات تحضيرا لرئاسيات 2019، ترى المعارضة أنها نتيجة فشل سياسات الحكومة وخياراتها في الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، بينما يصرّ نقابيون على أن الأمر يتعلق بمطالب عمالية بحتة لا صلة لها بالاستحقاقات الانتخابية.
طرح تزامن الاحتجاجات الاجتماعية المتفاقمة في الجزائر مع بداية العدّ التنازلي للاستحقاق الرئاسي المنتظر في ربيع العام القادم، العديد من القراءات المتباينة بين التوقّعات التي أطلقها خبراء ومختصون، بشأن تنامي الغضب الاجتماعي في البلاد، بسبب الخيارات الحكومية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وبين من يربط الحراك المتفاقم بالأجندات السياسية، وصراع مختلف الأطراف حول كرسي الرئاسة بعد مرور 14 شهرا من الآن.
ونفى الناطق باسم تنسيقية الأطباء المقيمين بن عمر رضوان، أن “يكون حراك الأطباء نتيجة لإيعاز جهات سياسية أو مناورة من طرف أي أجندة حزبية، لتحقيق أهداف سياسية معيّنة، بواسطة ضغط الأطباء، وأنّ المطالب المرفوعة للحكومة، هي مطالب مهنية واجتماعية طرحت منذ فترة”.
وأضاف رضوان بأن “جهات مناوئة لإضراب الأطباء، تحاول تضليل الرأي العام وروّاد المستشفيات، بإطلاق قراءات عارية من الصحة، عبر ربط حراكنا بحسابات سياسية نحن في غنى عنها”. لافتا إلى أنه “لو تم تلبية مطالبنا لما استمر الإضراب يوما آخر، مهما كانت الأجندة السياسية”.
حول تعنّت الأطباء المحتجّين وفشل جلسات الحوار المتتالية بينهم وبين وزارة الصحة في احتواء الموقف، رد المتحدث بالقول “الفجوة ما زالت عميقة والثقة مهتزة بين الطرفين، بسبب عدم التزام الوزارة بالوعود التي أطلقتها لنا في وقت سابق”. وأوضح أنه “ما يروّج له البعض على أنه تعنّت أو خدمة أغراض أخرى، هو محاولة للهروب إلى الأمام لا غير، وإمعان في تعقيد الوضع الذي يعيشه القطاع الطبي”.
وتحوّلت عدوى الاحتجاجات العمّالية والإضرابات المتواصلة في قطاعات الصحة والتربية، إلى مصدر قلق حقيقي للسلطة والطبقة السياسية الموالية لها، حيث كان الوضع الاجتماعي في صلب الاجتماعات المغلقة التي عقدتها قيادات كل من التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني.
أحزاب السلطة على تفادي المواجهة مع حراك الشارع، وتكتفي بتبنّي مواقف غير واضحة من إضرابات الأطباء والمدرسيين عبر الاعتراف بـ”شرعية المطالب” مقابل مراعاة الظروف للبلاد
وإذ تعمل أحزاب السلطة على تفادي المواجهة مع حراك الشارع، وتكتفي بتبنّي مواقف غير واضحة من إضرابات الأطباء والمدرسيين عبر الاعتراف بـ”شرعية المطالب” مقابل “مراعاة الظروف والمعطيات الاقتصادية والمالية للبلاد”. فإن هناك تلميحات تستشف من تصريحات غير رسمية لكل من أحمد أويحيى وجمال ولد عباس حول ارتباط الحراك الاجتماعي بأجندة الانتخابات الرئاسية.
ولا يستبعد مراقبون في الجزائر، أن يكون تزامن توسّع دائرة التململ الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة، من قبيل استعراض القوى من قبل الأطراف المتصارعة على السلطة في البلاد، قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية، استنادا إلى تجارب ماضية، تم خلالها توظيف الشارع في تصفية الحسابات السياسية بين أركان السلطة.
وقال الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الجزائري جمال ولد عباس إن “الحزب يتابع باهتمام تطوّر الأوضاع الاجتماعية في البلاد، وأنه أوعز لوزراء حزبه في مختلف القطاعات باحتواء الموقف، والاستجابة للمطالب الشرعية للمحتجين، تفاديا لأي تصعيد يمهّد الأرضية لاستثمار سياسي ومحاولة لتصفية الحسابات”.
وأضاف “تعوّدنا على لجوء البعض إلى الاصطياد في المياه العكرة، والعمل على التحريض الاجتماعي، لعرقلة مسار المواعيد السياسية وتحقيق انتصارات وهمية، بعد عجزها عن بلوغها بالطرق والأساليب الشرعية”، في تلميحات للبعض من الأحزاب الداعمة لمطالب الأطباء والمدرّسين.
وكانت جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، قد وجّها أصابع الاتهام إلى حزب العمال اليساري، بـ”العمل على تحريض الشارع واللعب بالأوتار الحساسة”، في إشارة إلى الاحتجاجات التي شهدتها البعض من مدن منطقة القبائل، على تراجع الحكومة عن تعميم تعليم الأمازيغية، قبل أن يتدخل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ويقرّ باعتبار احتفالية يناير البربرية عيدا وطنيا، ويفعّل الأكاديمية الأمازيغية.
من جهة أخرى، لم يتوان نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح، في تصريحاته الأخيرة عن “اتهام بعض الجهات السياسية والإعلامية، بالوقوف وراء تحريض منتسبين إلى المجندين السابقين في الجيش وأفراد الدفاع الذاتي أثناء العشرية الدموية، لشنّ مسيرات أسبوعية في مختلف مناطق البلاد، للمطالبة بالحقوق الاجتماعية.
وأشار صالح إلى ما أسماه بـ”أياد خفية تريد توظيف هؤلاء للإساءة لسمعة المؤسسة العسكرية”، لكنه لم يلمح في خطابه أمام ضباط ومسؤولين عسكريين، إلى أي صلة محتملة بين حراك هؤلاء وحسابات الاستحقاق الرئاسي.
ولم تتردد أمينة عام الحزب لويزة حنون، في انتقاد الخيارات الحكومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة أعباء الأزمة الاقتصادية، وحذّرت من تغوّل لوبيات المال السياسي، في المقابل لم تتوان في التعاطف مع الاحتجاجات الاجتماعية، ما أعطى الانطباع بالمسحة السياسية لحراك الشارع الجزائري.
لكن رئيس الكتلة النيابية للحزب في البرلمان جلول جودي، نفى بأن “يكون حزب العمال محرضا على الاحتجاجات الاجتماعية، أو يعمل على الدفع بالأوضاع إلى التصعيد، كما تزعم بعض الأوساط السياسية”.
وأردف “هناك فرق بين مواقف الحزب المنتقدة والمحذرة من الخيارات الحكومية الأخيرة ومن تغوّل المال السياسي، وبين دعم المطالب الشرعية للفئات العمالية في مختلف القطاعات”. وتابع جودي قائلا “الحكومة كانت بصدد اللعب بالاستقرار الاجتماعي، بسبب توجهها لخصخصة مؤسسات القطاع الحكومي، لولا تدخل رئيس البلاد”.
وتعرف العديد من القطاعات شللا شبه كامل في البلاد، على غرار قطاعات الصحة والتربية، ومن المتوقع إجراء احتجاج شامل يهدد به ما يعرف بـ”التكتل النقابي المستقبل”، منتصف الشهر الجاري، ليشمل كل قطاعات الوظيفة العمومية في التربية والتعليم العالي والإدارة والبريد والصحة. كما يسير الوضع في المستشفيات الحكومية والجامعات والمدارس باتجاه التصعيد، بعد دخول البعض من المحتجين شهرهم الثالث من الإضراب، كما هو الشأن لطلبة المدارس العليا للأساتذة والأطباء المقيمين وأساتذة محافظتي البليدة وبجاية، لا سيما بعد انضمام فئات أخرى للجبهة، كالممرضين وأطباء الأمراض الداخلية.
وهو سيناريو حذّر منه معارضون سياسيون وشخصيات مستقلة في صورة رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، الذي أكد بأن “الوضع الاجتماعي في الجزائر يسير نحو التأزم والاختناق، بسبب عجز السلطة عن الاستمرار في سياسة التجاهل للغضب الشعبي والتمويه باستشراء السلم الاجتماعي، واعتمادها على اقتصاد الريع، الذي اصطدم بتقلص المداخيل والعجز عن تلبية الحاجيات المحلية”.
وفنّد بن بيتور أن يكون للحراك المتنامي علاقة بترتيبات الانتخابات الرئاسية أو الصراع على السلطة، واعتبره “نتيجة طبيعية لمنهج سياسي استنزف المقدرات المالية للبلاد، من أجل استمرار السلطة في مواقعها”. ورأى أن “البلاد مُقبلة على انفجار اجتماعي يهدد استقرارها، لا سيما مع تآكل رصيد النقد الأجنبي وغياب البديل لحد الآن”.