مصادر إعلامية منتجة للأخبار الكاذبة والمزيفة
واقعيا صرنا نسمع عن الكثير من دول العالم التي أسست وحدات خاصة لمراقبة وتتبع الأخبار الكاذبة والمزيفة في مقابل اعتماد مصادر إعلامية جديرة بالثقة.
في وسط التدفق الإعلامي اليومي ربما مرّ مصطلح الأخبار الكاذبة والمزيفة مرورا عابرا لا يلفت نظر كثيرين.
جمهور عريض اعتاد ذلك الواقع الإعلامي ما بين الأخبار الحقيقية وما يُدس في وسطها من أخبار مزيفة.
وبسبب قصور التشريعات القانونية المتعلقة ببث الأخبار وتداولها وتلك المتعلقة بالخروقات القانونية على صعيد منصات التواصل الاجتماعي، لهذا كلّه انتعشت سوق الأخبار الكاذبة والمزيفة والملفقة.
أما في الغرب فللقصة وجه آخر مختلف تماما، فموضوع الأخبار المزيفة والكاذبة تحول إلى تحدّ حقيقي للمجتمعات الديمقراطية حتى أن رئاسة الحكومة البريطانية أسست قسما خاصا يسنده الردع القانوني الفوري ضد الأخبار الكاذبة والمزيفة.
التحقيقات الصحافية الكثيرة والموسعة التي نشرتها العديد من الصحف الأوروبية عن هذا الموضوع حوّل الأمر ليس إلى مجرد ظاهرة إعلامية بل إلى ظاهرة سياسية واجتماعية وأمنية.
هنالك إجماع على أن السنة الماضية كانت سنة الأخبار الكاذبة بامتياز ويعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر زعماء العالم استخداما لمصطلح الأخبار الكاذبة والمزيفة.
شنّ ترامب حملات غير مسبوقة على صحف أميركية عدة اتهمها بأنها منحازة وتبث أخبارا مزيفة ومفبركة.
تتسع القصة في هذا الصدد إلى مرحلة إدخال الأخبار الكاذبة والمزيفة إلى كونها جزءا من الحملات السياسية وصراعات المصالح بين الدول، بل إن بريطانيا حذرت على أعلى المستويات من قدرة ماكنة الدعاية الروسية وقراصنة منصات التواصل الاجتماعي على بث كم هائل من الأخبار الكاذبة والمزيفة.
في إحصائية جرى تداولها في الولايات المتحدة مفادها أن أكثر من مئة موقع على شبكة الإنترنت متخصص بنشر الأخبار الكاذبة واكب الانتخابات الأميركية الأخيرة وساهم في جذب جمهور وسائل التواصل الاجتماعي حتى صارت تلك المواقع أحد المصادر المعتمدة.
لعل السؤال الذي يطرح في موازاة ذلك يتعلق بأي من وسائل الإعلام في منأى عن تلك الأخبار وأي من المصادر الإعلامية ما هو جدير بالثقة.
هنالك نظرة سوداوية يتحدث عنها صحافيا التلغراف البريطانية جيمس تيكومب وجيمس كارسون تحذر من الاستهانة بتلك العاصفة المشوشة من الأخبار الكاذبة والمزيفة التي من المتوقع أن تواكب أي تصعيد في الصراع المستقبلي بين القوى الكبرى في العالم، الأمر يتعلق بالتفوق على صعيدي الاقتصاد والدفاع.
في المقابل تتعرض منصات التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك إلى سيل من الانتقادات بالقول إنها صارت مرتعا خصبا وبيئة حاضنة للأخبار الكاذبة والمزيفة وبرد مسؤوليها أنهم أسسوا فعليا أقساما خاصة لرصد مثلك تلك الموجة المضللة ولكنهم في الوقت نفسه سيعتمدون على ما يصلهم من مستخدمي تلك المنصات من معلومات تكشف عن مصادر الأخبار الكاذبة.
البحث عن مصادر إعلامية موثوقة صار هدفا لوحده على صعيد منصات التواصل الاجتماعي لأنها لا تريد لنفسها أن تتورط من حيث لا تقصد في دعايات مضادة ضد حكومات ودول مما يندرج في إطار صراعات المصالح.
واقعيا صرنا نسمع عن الكثير من دول العالم التي أسست وحدات خاصة لمراقبة وتتبع الأخبار الكاذبة والمزيفة في مقابل اعتماد مصادر إعلامية جديرة بالثقة.
ما يلفت النظر على صعيد الأنظمة الشمولية مثلا أن تتحول مقولة الأخبار الكاذبة والمزيفة إلى أداة لقمع الأصوات المنتقدة أو المعارضة وصارت أي تصريحات من هذا النوع يتم وصمها بأنها دعاية مضادة وأنها مفبركة وأنها مدفوعة من الخارج وما إلى ذلك.
وسائل الإعلام الموثوقة تشهد من حولها هذا الموج المتلاطم، خليط الأخبار الحقيقية والمزيفة والمفبركة وهو ما يُخشى منه مستقبلا لجهة انتحال جهات ودول تلك الأدوار تحقيقا لأهدافها ضد خصومها