المرأة المغربية مأذون شرعي بقرار ملكي
تقدم المغرب خطوات مهمة في احتلال المرأة المكانة اللائقة بها داخل المجتمع ومؤسسات الدولة، وفي هذا السياق أقر الملك محمد السادس للمرأة المغربية حق مزاولة مهنة “عدل”، أو مأذون شرعي، خلال المجلس الوزاري الذي ترأسه الاثنين 22 يناير الجاري، في القصر الملكي بالدار البيضاء.
لم يسبق للنساء في المغرب أن مارسن مهنة العدول، ورغم الاعتراضات التي قدمها البعض مبررين رفضهم بأن شهادة المرأة في قضايا الأحوال الشخصية من زواج وطلاق غير جائزة عند المالكية فإن الاجتهاد الفقهي أباح للمرأة ولوج هذه المهنة.
وأكد رئيس هيئة عدول المغرب أن فتح خطة العدالة في وجه المرأة المغربية، له أثر بالغ في نفوس عدول المملكة الذين يعبرون، بلسان واحد، عن تثمينهم لهذه الخطوة المباركة، وأن هيئة العدول ستسعى دوما بلا كلل ولا ملل إلى تجسيد توجيهات الملك محمد السادس.
وأضاف أن المرأة العدل ستحظى بكامل الرعاية ضمن هيئة العدول وتتمتع بكافة الصلاحيات التي يمنحها لها القانون دون أدنى جنف أو حيف، وأن الهيئة ستعمل بكل صدق على ولوجها مهنة العدالة بسلاسة تامة وفق ما تقتضيه إرادة العاهل بصفته رئيس المجلس الأعلى للقضاء.
كلف الملك محمد السادس، وزير العدل بفتح خطة مهنة “العدل” أمام المرأة، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذا الهدف، بالانكباب على دراسة هذه المسألة، كما أحال الموضوع على المجلس العلمي الأعلى قصد إبداء رأيه فيه.
وأصدر الديوان الملكي هذا التكليف، مؤخرا، بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية ومنها القضاء.
ويقول باحثون قانونيون إنه بهذا القرار يتوجب إدخال تغييرات على البنية التشريعية والقانونية المنظمة لمهنة التوثيق الشرعي بالمغرب، وفي هذا الصدد أكد رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبدالإله الخضري، أن اجتهادات العلماء وخبراء المجال القانوني والاجتماعي كفيلة بخلق التوازن المطلوب، بين مستلزمات العقيدة وقيم المسلمين، والتزامات المغرب الحقوقية، وطنيا ودوليا.
وأنجزت وزارة العدل دراسة بالتعاون مع المؤسسات الدينية للإجابة فقهيا عن جواز توثيق النساء لهذه العقود، وأعلن وزير العدل محمد أوجار، في يوليو الماضي، فتح نقاش حول فتح مجال مهنة “العدول” أو “العدل” أمام النساء، حيث ظلت هذه المهنة في يد الرجال فقط.
القانون المنظم لمهنة العدول بالمغرب لم يشر إلى جنس المترشح لمهنة التوثيق العدلي، ولم يتم التنصيص فيه على اشتراط الذكورة
وجاء قرار الملك محمد السادس بشأن السماح للمرأة المغربية بممارسة مهمة “خطة العدالة”، اعتمادا على معطيين أساسيين، وفق ما أكد عبداللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، يتمثل المعطى الأول في الأخذ برأي المجلس العلمي الأعلى الذي نعلم أن من بين مهامه الإفتاء إلى جانب الملك كأمير للمؤمنين، وقد قررت هذه المؤسسة بإعمال اجتهادات معينة لقراءة النصوص الدينية أن لا شيء يمنع شرعا من ممارسة المرأة لهذا المهنة. أما المعطى الثاني الذي تم استحضاره فهو ما وصلت إليه المرأة المغربية من كفاءة وتثقيف علمي رصين.
وبحسب ما صرح به رئيس نادي قضاة المغرب ، فإن الهدف من الخطوة يكمن في أنها تتناغم مع ما وصلت إليه المرأة المغربية من مساواة يفرضها دستور سنة 2011 والتزامات المغرب الدولية الحقوقية المتعددة إلى درجة أن المرأة مارست مهنا تحمّلها مسؤوليات أكبر من شغلها لخطة عدل.
ووفقا لمصادر إعلامية، أوضح المتحدث باسم القصر الملكي في المغرب، عبدالحق المريني، أن القرار جرى اتخاذه بناء على أحكام الشرع المتعلقة بالشهادة، وقال إن المرأة المغربية أظهرت كفاءة واقتدارا في تولي المناصب.
وأثار تولي المرأة لمنصب العدل جدلا حقوقيا وفقهيا في المغرب، خلال الأعوام الماضية، وظلت المهنة حكرا على الرجال.
ولاقى القرار تفاعلات واسعة في منصة التواصل الاجتماعي، إذ اعتبرته مدافعات عن حقوق المرأة خطوة لتعزيز المساواة بين الجنسين في البلاد.
وقال الصادق العثماني، مدير الشؤون الدينية باتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، ، “إن هذه الخطوة مهمة جبارة قامت بها المملكة المغربية هذه الأيام على درب الإصلاح والتجديد الديني وخاصة في ما يتعلق بشؤون الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وغير ذلك، وهي السماح بممارسة المرأة لمهنة ‘العدول’، لما لها من انعكاسات إيجابية على واقع المرأة المغربية والمرأة المسلمة عموما”.
ولفتت مونية الطراز، الباحثة المغربية في قضايا المرأة والأسرة والقيم، إلى أن “التصدي لتصحيح التشريعات في قضايا المرأة أمر ألفناه، واعتدنا عليه منذ بداية القرن العشرين، وأن حكم الشريعة معرّض لثقافة الناس وأهوائهم ويخضع للسائد والأعراف أكثر مما يخضع لنظر الشارع، وتبرر محاصرة إشراك المرأة في الحياة العامة في الغالب بتأويلات غير سليمة للنصوص، وقد يرجع منعها أحيانا إلى مشكلة تمديد العمل بأحكام اجتهادية سابقة وإقحامها في واقعنا المتغير.
وهناك آراء تتمترس وراء الشريعة دون التعمق في مقاصدها الحقيقية للاعتراض على هذا القرار”. وقالت الطراز “حين نعاين عقليات نقلية لا تتحرى الصواب في ما تنقل من آراء القدماء، ونرى ضمائر منغلقة غير متفهمة لحقائق التشريع وفلسفته، لا عجب أن نسمع الاعتراضات على تمكين المرأة من حقها في ولوج مهنة التوثيق أيضا، وما دامت هناك عقليات جامدة لا تتفهم حركية الشريعة فلا شك أننا سنعاني من اعتراض ‘عابر’ على هذا القرار الذي أجده عاديا”.
وتندرج هذه الخطوة في إطار ميثاق إصلاح منظومة العدالة التي أطلقها المغرب عام 2013، والتي نصت على تحديث مهنة “العدول” وفتحها في وجه المرأة، وإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة المغربية.
ويرى مهتمون بمجال القضاء والتوثيق الشرعي أن ممارسة المرأة لهذه المهنة تأتي في إطار تفعيل الفصل 19 من الدستور الذي جاء فيه “يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقـــوق والحريات المدنية، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور، وثوابت المملكة وقوانينها”.
وترى الطراز أنه ما دامت المرأة المغربية تبتّ كقاضية في صحة التوثيق في البلدية حيث تشهد على صحة العقود وباعتبارها قاضية تبتّ في المنازعات، لا بد من الوثوق في توثيقها كعدل.
واعتبر المركز المغربي لحقوق الإنسان أن هذه الخطوة إيجابية وتأتي تفعيلا لالتزام المغرب بمقتضيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، خاصة المادة 11، التي تلزم الدول المصادقة عليها، مثل المغرب، بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل.
ويدخل تمكين المرأة من أحقيتها في توثيق عقود الزواج في مسلسل الاعتراف بأهليتها، وتجده الطراز مرتبطا بتصحيح وضع يتنافى مع منطق الشريعة في المساواة بين الرجل والمرأة، مع العلم أن هذه الرؤية الجديدة لم تبث في نصوص قطعية حتى تستحق الجدل؛ بل في نصوص أسيء فهمها، تتعلق بالشهادة بشكل عام وبالإشهاد في عقود الزواج وتوثيقها.
كان الفقه الإسلامي الكلاسيكي والفقهاء عموما يعتبرون مهمة العدل مهنة خاصة بالرجال فقط وتُحرّم على المرأة ممارستها.
وبحسب الطراز، فإن تبرير قضية التحفظ في شهادة المرأة يتم بالاستدلال بقوله تعالى “واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى”، موضحة أن هذه الآية تتعلق بالمداينة وهي أمر مالي محض لا بد أن نفهمه في واقع تنزيله، حيث كانت المرأة حديثة العهد بالمساهمة في الشأن العام ولا يمكن أن تكون على دراية بالمعاملات المالية التي كانت حكرا على الرجال قبل الإسلام.
وأشارت الباحثة المغربية إلى أن منطق العدالة أو الصدق في الشهادة إن غاب فستضيع الحقوق حتى في المجالات الخاصة بالنساء، ولا فرق بين تضييعها شرعا في صفوف الرجال وتضييعها في صفوف النساء.
وأضافت “لم يعد أمر الشهادة محل نقاش في عصرنا لأن المرأة أصبحت تخضع لتكوين كامل ومتكامل، مثلها مثل الرجل، وتمتحن في عقلها وتتفوق على الرجل في الامتحانات كما يتفوق عليها، ومن السذاجة القول بأنها لا تصلح لتوثيق عقود الزواج وهي تمارس توثيق الممتلكات بالملايين من الدولارات”.
وأكد العثماني “أن هناك خلطا كبيرا يقع فيه بعض المشايخ وطلبة العلم والدعاة خصوصا الذين ليس لهم تخصص في الشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامي وأصوله، ناهيك عن عدم فهمهم لمقاصد الشريعة والأبعاد الإنسانية لديننا الإسلامي، ولهذا تجدهم دائما معارضين لنوعية هذه القرارات ويدخلون في معارك مع الدولة ومع من يخالفهم في آرائهم”.
وشدد على أن السماح للمرأة بممارسة مهنة العدول لا يدخل في باب الحكم الشرعي وإنما يدخل في باب الفتوى الشرعية ويرجع إلى اجتهاد الفقيه أو مؤسسة الإفتاء والمراجع الدينية المخول لها ذلك، لهذا فإن المجلس العلمي الأعلى المغربي عندما عرضت عليه القضية من طرف العاهل المغربي اجتهد وعالج القضية من جميع جوانبها الدينية والاجتماعية.
القرار لاقى تفاعلات واسعة في منصة التواصل الاجتماعي، إذ اعتبرته مدافعات عن حقوق المرأة خطوة لتعزيز المساواة بين الجنسين في البلاد
وتدخل مهنة العدول -وهي مهنة حرّة- في إطار مساعدة القضاة وهم مكلفون بتوثيق حالات الزواج والطلاق والعقود الأخرى، ويتبع العدول بالمغرب الهيئة الوطنية للعدول التي تتمتع بالشخصية المعنوية.
ويرفض حسن الكتاني، داعية سلفي، ولوج المرأة مهنة المأذون الشرعي، معتبرا أنّ هذه الخطوة تعبث بأحكام الشرع وتخالف ما قرره أئمة الإسلام، ومنهم الإمام مالك الذي يدين المغرب بمذهبه رسميا.
وأكد الكتاني أنه في حال “فتحت مهنة العدول في المغرب أبوابها للنساء فهذا مخالف لما عليه أئمة المالكية، وجماهير أئمة الإسلام وفعل باطل يجعل الزواج كله فاسدا، مطالبا بإيقاف ما أسماه “العبث بأحكام الدين”.
وكانت مبررات من يعارض إفساح المجال للمرأة وتشكيكهم في قدرتها على ممارسة مهنة العدول، وجود عوائق ثقافية ودينية تحول دون هذا المطلب، وبعد إقرار هذه الوضعية يطالب مهنيون بتغيير القوانين المنظمة لخطة العدالة، أما تقبل المجتمع لامرأة عدل فيتطلب وقتا وجهدا من المرأة ذاتها.
وقال العثماني “إن ما يتعجل به بعض الشيوخ والدعاة والمتعالمون من أن المرأة لا تصلح لأن تكون عدلا، ويبدأون بسرد الأدلة الشرعية والأحاديث النبوية وأقوال العلماء بأنه لا يجوز لها أن تزوّج أحدا، سواء نفسها أو أولادها أو من أقربائها، فهو ليس من هذا الباب في شيء، وإنما كل ما ذكر بخصوص هذا الموضوع، فهو في المرأة تعقد بنفسها لنفسها، أو تعقد لغيرها، أي أن تكون ولية على نفسها، أو على غيرها في النكاح”.
أكد الشنتوف أنه “ربما فقط نظرة المجتمع لهذا الموضوع هي التي أخّرت السماح به إلى الآن، وإلا فإن المانع لم يكن قانونيا أبدا إذ لا يوجد شرط في القانون رقم 03-16 المتعلق بخط العدالة يمنع المرأة من ممارسة هذه المهنة”.
وأعلنت الهيئة الوطنية لعدول المغرب عن الشروط المطلوبة لممارسة مهنة العدول بالنسبة للنساء، حيث لا تختلف عن تلك المطلوبة للرجال، إذ يشترط على الراغبة في ممارسة المهنة أن تكون مسلمة، وتحمل الجنسية المغربية، وحاصلة على الإجازة في القانون، أو الشريعة الإسلامية، أو اللغة العربية، وأن تكون بالغة من العمر 25 سنة، وألا يزيد عمرها عن 45 سنة، ولم يسبق لها أن حكم عليها بالسجن أو الغرامة النافذة، أو موقوفة التنفيذ، وبالإضافة إلى الشروط لا بد للراغبات في ممارسة مهنة العدول من الإدلاء بوثيقة تثبت حسن السيرة والسلوك، ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية، لدى وزارة العدل، وبعد النجاح سوف تتلقى سنة من التدريب بقرار من وزير العدل.
ولم يشر القانون المنظم لمهنة العدول بالمغرب إلى جنس المترشح لمهنة التوثيق العدلي، ولم يتم التنصيص في المادة الرابعة منه على اشتراط الذكورة.