الرئاسة المصرية: انتخاب أم استفتاء؟ لا فرق
السيسي يترشح رسميا لولاية رئاسية ثانية وانسحاب خالد علي يشعر أجهزة الدولة بالقلق من استمرار الوضع القائم على العملية الانتخابية وتداعياتها المستقبلية.
يدلي المصريون في شهر مارس 2018 بأصواتهم لاختيار رئيس البلاد، ضمن مسار يبدو محسوما لفائدة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي ضمن مشهد انتخابي لم تستقر صورته إلى حد الآن ولم تتضح ملامح منافس الرئيس في الانتخابات، بل ازداد تعقيدا بعد إعلان المحامي خالد علي عدوله عن الترشح للانتخابات الرئاسية.
وتقدم السيسي، صباح الأربعاء 24 يناير 2018، بأوراق ترشحه بعد استبعاد سامي عنان رئيس الأركان المصري السابق من قوائم الناخبين على إثر استدعائه للتحقيق معه أمام النيابة العسكرية لاتهامه من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة بمخالفة قواعد القانون العسكري وتزوير مستندات والتحريض ضد الجيش، وعدم الحصول على إذن مسبق من الجيش قبل إعلانه نيته خوض الانتخابات.
وفي مساء نفس اليوم، أعلن خالد علي أنه لن يستمر في مسعاه للترشح للرئاسة. وعزا قرار انسحابه من خوض سباق رئاسيات مصر إلى عدة أسباب بينها وجود “صراعات بين أجهزة السلطة” في البلاد، إضافة الى ضيق الفترة الزمنية التي تفصل عن موعد الانتخابات. وبهذا الإعلان يصبح خالد علي، هو ثالث مرشح محتمل تراجع عن خوض سباق رئاسيات مصر المقبلة، عقب العسكري المتقاعد، الفريق أحمد شفيق، والبرلماني السابق محمد أنور عصمت السادات.
الأجهزة الرسمية في مصر تحرص على إظهار ثقة مفرطة في نجاح الانتخابات وإتمامها بالطريقة المناسبة والتي يريدها
ويميل البعض إلى وصف الانتخابات المقبلة بـ”الاستفتاء” على شعبية السيسي، فيما يقول متابعون للمشهد الراهن في مصر، إن المفاجآت الانتخابية مازالت قائمة، وربما يتقدم شخص له ثقل سياسي أو حزبي بالترشح لمنافسة السيسي في أي لحظة، حتى وإن كان ذلك عبر تسهيلات تقدم لهذه الشخصية من جانب الحكومة لتحريك المشهد الانتخابي.
ويستند هذا التقدير على إعلان وزارة الصحة أخيرا قيام 3 شخصيات سياسية وصفتها بـ”الشهيرة” بتقديم طلب إلى المجالس الطبية لإجراء فحوصات تمهيدا لإعلان الترشح في انتخابات الرئاسة، لكن الوزارة لم تحدد هوية وأسماء هؤلاء الذين قد يعلنون عن أنفسهم في الساعات الأخيرة، إذا قرر الناشط الحقوقي خالد علي انسحابه من الانتخابات.
ومع انسحاب خالد بدأت أجهزة الدولة تشعر بالقلق من استمرار الوضع القائم على العملية الانتخابية وتداعياتها المستقبلية، حيث يواجه النظام حملة انتقادات واسعة في الداخل والخارج ومحاولات لخصم الكثير من رصيد السيسي السياسي والشعبي وترسيخ اتهامات تتعلق بإقصاء معارضين وغلق المناخ السياسي العام على مؤيديه.
وقال حازم حسني، الناطق باسم حملة الفريق سامي عنان ، إن المشهد السياسي الراهن يتسم بعدم قدرة الحكومة على إدارة التنوع والاختلاف القائم بالمجتمع، ويظهر رغبة لدى النظام في وجود السيسي كمرشح قوي أمام مرشح غير مؤثر، كي يتمكن من ترسيخ فكرة أنه عندما ينجح في الاكتساح، فالشعب كله يسير خلفه.
وعكفت تيارات معارضة للنظام مثل الاشتراكيون الثوريون وحركة 6 أبريل وجماعة الإخوان على تدشين حملة واسعة لحث الناس على مقاطعة الانتخابات ومطالبة خالد علي بالانسحاب، وتصوير ما يحدث على أنه “مسرحية انتخابية”.
وقال مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ، إن إبعاد عنان عن الانتخابات وإطلاق حملة عبر وسائل الإعلام لتأييد خالد علي، ينطويان على أبعاد سياسية ترتبط بهندسة انتخابات الرئاسة المقبلة كما كان الوضع بالنسبة لانتخابات عام 2014، عندما انحصرت المنافسة بين حمدين صباحي والسيسي.
وأضاف أن “خوض الرئيس السيسي للانتخابات منفردا ستكون له تداعيات سلبية للغاية على شعبيته، وسيتعرض لحملة من الهجوم وهو ما يريد تفاديها، وقد تحدث مفاجأة في أي لحظة”.
ويغلق باب الترشح للانتخابات يوم 29 يناير. ويمثل شرط الحصول على توكيل من 25 ألف مواطن في 15 محافظة بحد أدنى ألف توكيل من كل محافظة لترشح لانتخابات الرئاسة عائقا كبيرا. أما الشخص الذي يريد الانضمام لقائمة مرشحي الرئاسة عن طريق بوابة البرلمان فعليه الحصول على 20 تزكية من الأعضاء. وكان 550 عضوا في مجلس النواب المصري قاموا بتزكية السيسي، وهو ما يعني أنه لم يتبق سوى 46 نائبا يحق لهم منح التأييد لأي مرشح رئاسي، من بينهم نحو 30 عضوا من المعارضة.
وقال مصدر من حملة السيسي إن الرئيس المصري لا يحبذ أن يخوض الانتخابات دون منافسين، وما تروج له بعض التيارات المعارضة بأن الانتخابات ستتحول إلى استفتاء على شعبيته، غير صحيح.
أدت جملة من الأسباب إلى ظهور المشهد السياسي على ما هو عليه الآن، الأول يرتبط برؤية النظام السياسي للقوى الموجودة على الساحة وأنها لا تستطيع قيادة الدولة في وقت تواجه فيه تحديات داخلية وخارجية.
والسبب الآخر له علاقة بالرغبة في تجهيز نماذج سياسية مختلفة عن الشخصيات التي لم يعد لديها أي قبول في الشارع ومن النظام الحاكم، وهو ما اتضح من خلال التوسع في تدريب الشباب للقيادة والاعتماد على عناصر شبابية بعيدة عن النخب القديمة داخل حملة السيسي، منهم المستشار محمد بهاء أبوشقة الذي تم اختياره ليكون الناطق باسم الحملة.
وتحرص الأجهزة الرسمية في مصر على الصمود في مواجهة الانتقادات، والمضي قدما بالانتخابات وفقا للأسس والقواعد القانونية، وعدم الاهتمام كثيرا بحملات التشويه التي يتعرض لها النظام الذي يحرص على إظهار ثقة مفرطة في نجاح الانتخابات وإتمامها بالطريقة المناسبة والتي يريدها.