الأسر المهاجرة تعاني من قلق دائم بالخوف
يتعرض أطفال الأسر المهاجرة في الولايات المتحدة لمشاكل نفسية وصحية عديدة. حيث كشفت دراسة حديثة أن مخاوف هؤلاء الأطفال حول احتمال ترحيل آبائهم تتسبب في تعرضهم للأمراض وربما لتغيرات دائمة في الدماغ.
أظهرت دراسة نشرتها “كايزر فاميلي فاونديشن”، وهي منظمة غير ربحية تبحث في مجال تحليل السياسات الصحية، أن الأسر المهاجرة، الموثقة وغير الموثقة، تتعرض لضغوط مستمرة بسبب السياسات المتشددة التي تتخذها إدارة ترامب.
وكشفت الدراسة أن الأسر المهاجرة تعاني من مستويات متزايدة من القلق والمخاوف وعدم الأمان. ويخشى الآباء والأمهات الموجودون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية ترحيلهم وفصلهم عن أطفالهم، في حين أن الأسر الموثقة قانونيا قلقة بشأن إمكانية تغير وضعها في أي لحظة. كما تعاني الأسر المهاجرة، غير الموثقة قانونيا، من صعوبة ممارسة حياتها اليومية والتي من الممكن أن يقضي أفرادها ساعات طويلة خلف أبواب بيوتهم المغلقة، لا يستطيعون مغادرتها إلا عند الذهاب للعمل فقط.
ويقر أولیاء الأمور والأطباء، ممن يباشرون حالات الأطفال، بأن هؤلاء الأطفال یواجهون صعوبة في النوم والأكل، وینسحبون من حياة أصدقائهم وعائلاتهم، كما يتعرضون أيضا للصداع المستمر، والقيء، ونوبات الذعر، وحتى أعراض الاكتئاب.
تقول سامانثا أرتيغا، المؤلفة المشاركة في الدراسة بالمؤسسة، إن التقرير “يسلط الضوء على كيفية تجاوز تأثير السياسات على الأفراد المستهدفين. نعرف جيدا مدى تأثير مشاعر الخوف وعدم اليقين على صحتهم”.
وتحدث الباحثون في المؤسسة، التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها، إلى 100 من أولياء الأمور من 15 دولة والذين ينتمون لأعراق مختلفة منها المكسيكية والأفغانية والبرازيلية والسورية والكورية. وأجروا مقابلات مع 13 طبيب أطفال ممن يتعاملون مع الأسر المهاجرة في ثماني ولايات، بما في ذلك بنسلفانيا وكولومبيا.
وتقدر الدراسة أن هناك حوالي 23 مليون مهاجر يعيشون في الولايات المتحدة في ظل ظروف مختلفة، فالكثير منهم جاؤوا هربا للحصول على الأمان، تاركين خلفهم صدمة العيش في الحروب أو مع العصابات أو مع المخدرات، في حين سعى آخرون إلى ضمان حياة أفضل لأسرهم.
وتشمل هذه الأسر أكثر من 12 مليون طفل، معظمهم اكتسبوا الجنسية الأميركية فور ولادتهم. ويقول أحد الآباء لاتينيي الأصل في لوس أنجلوس “جل مخاوفنا تتمثل في أنهم سيفرقون بيننا”.
وركزت الأبحاث الرئيسية على وضع الأطفال وحالتهم الصحية والنفسية، ولم تكن النتائج مشجعة على الإطلاق. حيث أعرب بعض الأطفال عن فقدان الأمل في المستقبل. وأفادت إحدى طبيبات الأطفال بأن “الخوف من الرئيس الأميركي ترامب” هو الشكوى الرئيسية التي يرددها الأطفال دائما.
وأضاف طبيب أطفال آخر في كاليفورنيا للباحثين “يأتي الأطفال إلى هنا بشكوى جسدية والتي سرعان ما نعرف سببها الرئيسي، وهو الشعور بالقلق”.
وأعرب جميع الأطباء عن قلقهم الشديد إزاء العواقب الصحية طويلة الأمد على الأطفال، حيث أن التعرض للضغوط المستمرة من الممكن أن يتلف شبكة الاتصالات داخل الدماغ.
وأظهرت الدراسة أيضا أن تأثير هذه الضغوط المستمرة من الممكن أن ينعكس بشكل رئيسي على سلوك الفرد مما يتسبب في ضعف مهارات التأقلم واكتساب الفرد لبعض السلوكيات الخطرة، وتعرضه لأمراض الصحة العقلية، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الرئة والسكري والربو والسرطان.
أولیاء الأمور والأطباء يقرون بأن الأطفال یواجهون صعوبة في النوم والأكل، وینسحبون من حياة أصدقائهم وعائلاتهم
وبوجه عام، سجل الآباء أطفالهم في برامج التأمين الصحي الحكومي، ولكن بعضهم أوقف التعامل بهذا البرنامج نظرا لتخوفهم من زيارة الطبيب الذي من الممكن أن يعرف بأمر هجرتهم.
ولا تقدم الدراسة أي توصيات لتغييرات السياسة، ولكنها أشارت إلى “عواقب الضغوط السياسية طويلة الأجل على أطفال الأسر المهاجرة، بما في ذلك العواقب الصحية الخطرة التي يمكن أن تنتج على مدار سنوات حياتهم”.
هذا الاستنتاج يدعم نتائج بحث آخر يربط بين الضغوط المستمرة وعواقبها الصحية الخطرة، حيث أفادت مبادرة “بيتر برينز فور بيبيز” الأميركية، المدعومة من مؤسسات الصحة الحكومية والاتحادية “إن تعرض الأطفال لضغوط الحياة المستمرة يمكن أن يبطئ، بل ويوقف، من نمو الدماغ والنمو البدني. حيث أن الإفراز المستمر لهرمون الكورتيزول، الذي ينتج أثناء التعرض للضغط النفسي، يمكن أن يسبب ضررا على المدى الطويل للدماغ ويمكن أن يؤثر سلبا على الجهاز المناعي”.
ويقول أولياء الأمور الذين أجريت عليهم الدراسة إنهم يحاولون عزل أطفالهم عن كل هذه الضغوط والقلق. ولكن أبناءهم وبناتهم يسمعون عن قضايا الهجرة في المدرسة، ويخشون من أن أبويهم قد يتم ترحيلهما أو أن العائلة سوف تضطر إلى مغادرة البلد الوحيد الذي يعرفونه.
ويقول أحد الوالدين عربيي الأصل في كاليفورنيا “نشعر أنه في أي لحظة يمكن سن قانون جديد يقضي بطردنا وترحيلنا”.
وأكدت دراسات سابقة أن هذا الضغط النفسي قد يؤثر على حياة الطفل، على المدى البعيد، وذلك هو سبب احتياج الوالدين والأطفال إلى الدعم لمواجهة المواقف التي تثير الضغط النفسي.
وشدد الخبراء على ضرورة أن يسعى الوالدان للحصول على المساعدة عندما يمرون بأزمة ويشعرون بالتوتر بينهما، قبل أن يلاحظ الأطفال أن هناك مشكلة.
ونبهت ماريا جروسه بردكامب من المؤتمر الألماني للاستشارات التربوية قائلة “يجب على الآباء أن يضعوا في اعتبارهم أن الأطفال يكونون مرتبطين بهم عاطفيا للغاية، إنهم يكونون حساسين للغاية تجاه الحالة الذهنية للأشخاص الأقرب لهم”.
وأوضح المختصون أنه في ظل الضغط النفسي المستدام، يفرز جسم الطفل على نحو دائم الكثير من هرمون كريستول، وهذا يؤثر على وظائف المخ خاصة في المناطق المسؤولة عن التركيز وضبط النفس.
ويكون الأطفال الذين يتعرضون لعدة عوامل من الضغط النفسي بشكل مباشر، أكثر عرضة لتعاطي المخدرات والكحول في شبابهم. ويزيد لديهم خطر الإصابة بالاكتئاب إلى الضعف، بينما يكونون أكثر عرضة خمس مرات للإصابة باضطراب الأكل. ويمكن أن يتسبب الضغط النفسي في خفض متوسط أعمار الأطفال لما يصل إلى عشرين عاما، بحسب أوريش إيجل، وهو أستاذ سويسري متخصص في هذه المسألة.
ويضيف إيجل أنه في حالة فوات الأوان على الاستشارة التربوية، يجب أن يتلقى الطفل علاجا نفسيا. ويجب على الآباء استشارة معالج متخصص في الأطفال والمراهقين