المرأة المغربية المعيلة: لا زوج يدعم ولا حكومة ترحم

عمل النساء المعيلات يشكل عاملا حاسما في بقاء الملايين من الأسر الفقيرة على قيد الحياة، إلا أن الظروف الاجتماعية والسياسية والعقليات السائدة تتكاتف في أغلب المناطق المغربية لجعلهن رهائن للفقر والاستغلال المادي والمعنوي.

لم يعد التقسيم التقليدي للأدوار داخل الأسرة سائدا في العديد من المدن المغربية، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها المغاربة، إذ أصبح من السائد أن تتقلّد النساء أدوار الرجال، ويتحملن أعباء مضاعفة في سبيل إعالة أسرهن وتوفير متطلبات أبنائهن.

فالنساء اللائي يتولين الإنفاق على أنفسهن، ويتحملن مسؤولية الرعاية المادية والمعنوية لأسرهن من دون الاستناد إلى وجود الرجل (الزوج أو الأخ أو الأب..).يتكاثرن كل يوم و تزداد مصاعبهن كلما مرت الأيام ، قد تكون في الغالب أرملة أو مطلقة أو زوجة مريض أو عاجز، سواء عجز كلي أو جزئي، أو زوجة سجين أو رجل متواكل ومستقيل تماما من مهامه وواجباته العائلية.. وبالتالي تكون المرأة المصدر الوحيد لدخل الأسرة.

فظاهرة المرأة المعيلة ليست بالجديدة على المجتمعات الإنسانية، فقد خبر الوجود البشري حالات كثيرة من بقاء المرأة بمفردها وإدارتها لعائلتها ولنفسها”.

لكننا اليوم نشهد اتساع هذه الظاهرة نظرا لاتساع خارطة الفقر و الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الدورية في المجتمع المغربي مما جعل المعنيين بشؤون المرأة يشيرون إلى أزمة جديدة تعصف بها نظرا لما لها من آثار سلبية على المرأة والأسرة والمجتمع برمته، وما تخلّفه هذه الوضعية من آثار على نفسية المرأة لا سيما وأنها أكثر العناصر الاجتماعية المعرضة للأذى، وهذا من شأنه أن يجعل الآثار السلبية لهذه الظاهرة تصيب الكيان النفسي والبناء الذاتي للمرأة كما تنعكس على المجتمع بأسره”.

وعلى الرغم من أن عمل النساء المعيلات يشكل عاملا حاسما في بقاء الملايين من الأسر الفقيرة على قيد الحياة، فإنهن يواجهن عقبات جمة في سبيل الحصول على وظائف، وغالبا ما يدفعهن ذلك إلى العمل في مجالات هشة وغير مرئية، فلا يتوفر لهن بالتالي الحد الأدنى من الحقوق القانونية.

ففي المغرب تساهم المرأة بنسبة 68 بالمئة من الدخل القومي الخام، وتؤمّن إنتاج الخضر والغلال بنسبة 90 بالمئة، ولكنها تعمل أحيانا في ظروف لا تراعي طبيعتها الأنثوية ولا تحترم إنسانيتها.

وتتميز أغلب الأعمال التي تقوم بها النساء المعيلات بأنها مستهلكة للوقت وشاقة وضئيلة الأجر، مما يحد من قدرتهن على تعلّم المهارات التي قد تساعدهن على تحسين وضعياتهن الاجتماعية، وهذا الأمر يؤدي إلى إدامة دورة المعاناة والفقر في صفوفهن.

وتتعرض الكثيرات إلى الاستغلال الجسدي والجنسي بسبب تدني تحصيلهن العلمي، إضافة إلى عدم المساواة بينهن وبين الرجال في الأجور وفي عدد ساعات العمل.

ورغم الوعود الحكومية المتواصلة بضرورة تمكين المرأة المغربية ومساندتها للارتقاء بالمجتمع ككل، إلا أن الفقر المدقع مازال يحاصر النساء أكثر من الرجال، بسبب التمييز الممنهج ضدهن في سوق العمل، وصعوبة حصولهن على احتياجاتهن الأساسية وتهميش دورهن في الأسرة والمجتمع.

وتكمن المفارقة في وضع المرأة المغربية المعيلة في أن “شريك حياتها” على استعداد للقبول بعملها طالما أنها ستنفق على الأسرة، إلا أنه يرفض مساعدتها في رعاية الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية، ولا يتوانى عن تعنيفها.

كما أن نظرة المجتمع لعمل الرجل في المنزل لم تتغير كثيرا، إذ لا يزال قطاع لا بأس به من المجتمع يرى أن العمل المنزلي هو من صلب مهام المرأة وأنه لا يليق بالرجل القيام بهذه الأعمال.

و تتعرض المرأة المعيلة إلى الكثير من الضغوط الاجتماعية الناتجة عن الثقافة الاجتماعية السائدة، وكذلك عن استغلال البعض لوضعيتها الهشة. و الموروث الثقافي أو ما يطلق عليه في العلوم الاجتماعية الحديثة بـ’الثقافة الاجتماعية’، (وهنا لا نقصد الثقافة كما يراها البعض، بل الثقافة كما هي بالفعل في الواقع العملي بين الناس)، يعقّد أكثر وضعية المرأة المعيلة، حيث تتعرض لكل أنواع التمييز والمضايقات والتحرشات وينظر إليها كامرأة ضعيفة أو بلا سند، ويستغل البعض حاجتها للعمل أو الخروج من المنزل لابتزازها ماديا ومعنويا”.

وأطلقت خديجة ، تنهيدة اعتصرت ألم الحمل الذي يثقل كاهلها، ووجدت متنفّسا لتبوح قائلة “أعيش حياة أفتقد فيها لمعنى المسرة وراحة البال، فأنا لا أنام ملء جفوني مثل بقية الخلق بسبب تفكيري المستمر في تأمين لقمة عيش أبنائي وقلقي المستمر على مستقبلهم”.

وأضافت و ملامحها تبدو أكبر بكثير من سنها الذي لم يتجاوز الخمسين عاما، “أستيقظ يوميا من شفق الفجر من أجل أن أعد مخمرات حتى أبيعها في السوق وأتمكن بما أحصل عليه من إطعام أبنائي الثلاثة وزوجي وتوفير متطلباتهم المادية”.

وأوضحت “هذه وتيرة حياتي اليومية، لا أملك غير هذا العمل الذي يتطلب ساعدا لا يكلّ ولا يملّ، ولا يوفر لي غير مبلغ بسيط لم يعد يكفيني لمجابهة احتياجات أبنائي ومتطلباتهم الكثيرة والمتزايدة”.

وواصلت “لا أحفل بالجلطة التي أعاني منها في ساقي وأكتم آلامي في صدري، فلا خيار أمام سوى العمل المتواصل، حتى ابني البكر الذي علّقت آمالا كثيرة على تخرجه من الدراسة الجامعية، يعاني من البطالة منذ حوالي أربع سنوات، وهذا ما يزيد معاناتي”.

وختمت خديجة بقولها “أتغاضى عن الكثير من الأشياء وأحرم نفسي من أجل توفير مصاريف أسرتي واحتياجاتها، فظروفي الاجتماعية صعبة جدا، وكل ما أتمناه هو أن يحصل ابني على شغل حتى يريحني قليلا من الحمل الكبير الذي لا حول ولا قوة لي على تحمّله”.

 

أتمنى أن نساعد المرأة المغربية ولو برحيق أقلامنا لعل الرحيق يجلب عطف و حنية من بيدهم السلطة .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: