إسلاميو المغرب.. تلون في المواقف واستثمار في الأزمات
حزب العدالة والتنمية يواجه تحديا كبيرا في ما يتعلق بالشعبية التي تمكن من الحصول عليها خلال مرحلة ما سمي بالربيع العربي، بالنظر إلى كونه حزبا بكرا لم يتولّ تسيير الحكومات أو المشاركة فيها في الماضي.
خلال أيام قليلة فقط أظهر حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة في المغرب قدرة عجيبة على الانقلاب في المواقف وقدرا أكبر من الازدواجية.
فقبل أسبوع دافع رئيس الحكومة سعدالدين العثماني أمام اجتماع للأمانة العامة لحزبه عن مشروع قانون لإصلاح التعليم يستهدف ضرب مبدأ المجانية في التعليم للطورين الثانوي والعالي، ذلك المبدأ الذي ظل منذ بداية الاستقلال مكسبا وطنيا رفضت مختلف الحكومات المتعاقبة التفريط فيه.
وقد أثار ذلك الموقف غضبا شعبيا واسعا في مختلف الأوساط، خصوصا في الطبقة الوسطى التي ترى نفسها المعنية الأولى بالموضوع، لكون رئيس الحكومة قد أكد في تصريحاته أن القرار لن يمسّ الفئات الدنيا بل سيقتصر على الطبقة الوسطى والميسورة.
ولكن الانتقادات التي وجهت إلى الحكومة ركزت على قضية أن الطبقات الميسورة في المغرب لا تدرس أبناءها في التعليم العمومي التابع للدولة، بل في المؤسسات الخاصة. ومنذ سنوات طويلة لم يعد التعليم العمومي يجتذب أبناء الطبقة الوسطى، فالأحرى به أن يكون جاذبا للفئات الميسورة، بسبب حالة التردي التي يعيشها وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على القيام بإصلاح عميق وجذري لمنظومة التعليم. وقد شكل العثماني وحزبه مبعث سخرية لدى الرأي العام، لأنه كشف بوضوح أن الإسلاميين الذين يقودون الحكومة يجهلون تماما الواقع الحقيقي في البلاد، أو يحاولون التلبيس على المواطنين لتمرير مشروع قانون من شأنه أن يثير جدلا واسعا. الأمر المثير للاستغراب أن المشروع المذكور ورثه العثماني عن سلفه عبدالإله بن كيران، الذي قاد الحكومة السابقة منذ العام 2011 إلى انتخابات أكتوبر 2016.
فقد كان بن كيران، نفسه هو من طلب من المجلس الأعلى للتعليم، توصية بشأن إصلاح التعليم عام 2015، مع التأكيد على إعادة النظر في مبدأ المجانية. وكان بن كيران يريد تنفيذ المشروع لولا أن الزمن لم يسمح له بذلك، واليوم يسعى العثماني إلى الاستمرار فيه.
وقبل أيام سحبت الحكومة مشروع قانون يتعلق بوقف تعدد التعويضات لأعضاء البرلمان الذين يزاولون مهام أخرى. ومكمن الغرابة أن فريق حزب العدالة والتنمية في الغرفة الأولى للبرلمان هو من يتحفظ على هذا المشروع، لكونه سيقضي على تعدد التعويضات التي يتلقاها أعضاؤه.
حزب العدالة والتنمية ذاق طعم السلطة ولم يعد يعنيه من قيادة الحكومة سوى حجم ما يحصل عليه من مصالح ومكتسبات
ولو عدنا إلى الوراء قليلا، لوجدنا أن الحزب هو من كان يهاجم الحكومات السابقة، أيام كان في المعارضة، بسبب عدم القيام بإجراءات للحد من تعدد التعويضات، بل إن الحزب كان ينادي وقتها بتقليص التعويضات التي يتلقاها النواب، ويعتبر أنها تعويضات عالية، ويقترح توجيه جزء من تلك التعويضات إلى خلق مشاريع اجتماعية لفائدة الطبقات الفقيرة.
وقبل يومين أعلن الحسن الداودي، الوزير المكلف لدى الوزير الأول بالشؤون العامة، أن الدعم الذي تخصصه الدولة لبعض المواد الاستهلاكية، كالسكر وغاز البوطان، لفائدة الطبقات الفقيرة، يشكل “منكرا من أكبر المناكر”، مقترحا إعادة النظر في صندوق المقاصة (الدعم). ورغم أن هذا المطلب نادت به حكومة بن كيران السابقة، إلا أنه وُوجه بمعارضة شرسة مما دفع الحكومة إلى التراجع عنها.
وكان صندوق المقاصة قد أحدثته الدولة في السبعينات بهدف دعم القدرة الشرائية للفئات الفقيرة، وخلق التوازن بين تقلبات الأسعار في السوق العالمية والأسعار في السوق الداخلية، في إطار سياسة اجتماعية وضعتها الدولة للتقليص من الفوارق.
تعكس هذه المواقف حالة من الردة السياسية والازدواجية لدى حزب العدالة والتنمية الذي لا يتردد في رفع خطاب سياسي يركز على البعد الاجتماعي، بينما هو على مستوى سياسة التدبير يعمل كل ما من شأنه أن يزيد في تعميق الأزمة ويرفع من وتيرة الاحتقان الاجتماعي، وهو ما يجعلنا أمام توظيف المحتوى الاجتماعي في خدمة الخطاب السياسي.
ويبدو واضحا أن الحزب ذاق طعم السلطة والغنيمة ولم يعد يعنيه من قيادة الحكومة سوى حجم ما يحصل عليه من مصالح ومكتسبات، بل إنه أصبح يدافع عن القرارات غير الشعبية التي يتخذها، ويبرر تلك القرارات بمنطق سياسي واقتصادي، بينما كان بالأمس القريب يحتج على الحكومات ويهاجم نفس المنطق، وينتقد الأحزاب التي كانت ترأس الحكومة ويتهمها بمسايرة توصيات صندوق النقد الدولي.
ويرى الكثيرون أن حزب العدالة والتنمية، بعد ولايتين حكوميتين، يواجه تحديا كبيرا في ما يتعلق بالشعبية التي تمكن من الحصول عليها خلال مرحلة ما سمي بالربيع العربي، بالنظر إلى كونه حزبا بكرا لم يتولّ تسيير الحكومات أو المشاركة فيها في الماضي، وكذا بالنظر إلى تصريحات قيادته خلال حقبة المعارضة والطابع الاجتماعي لبرنامجه الانتخابي.
وإذا كان الحزب قد استطاع تصدر الانتخابات الأخيرة وقيادة الحكومة مرة ثانية، فإن هذا عائد بدرجة أولى إلى حجم المقاطعة لدى الناخبين الذين لا يرغبون في التصويت، مقابل أنصار الحزب الذين يصوتون بكثافة، بمثل ما يعود إلى خطاب المظلومية الذي رفعه الحزب في عهد عبدالإله بن كيران خلال الحملة الانتخابية.
بيد أن هناك تحولات عميقة داخل المجتمع المغربي تسير في منحى سحب الثقة من هذا الحزب، كما تعكس ذلك الانتخاباتُ الجزئية المرحلية التي أجريت في بعض المدن خلال الأسابيع الأخيرة، التي خسر فيها أصوات الناخبين لفائدة أحزاب أخرى كحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار.