الزواج بالفاتحة يبدأ بنزوة وينتهي بورطة أمام القانون
تفشّت في المجتمع الاوروبي ظاهرة الزواج الفاتحة ، ويتساءل البعض عن أسبابها وإلى أي درجة قد تؤثر على استقرار المجتمع، ومن المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة، المرأة أم الرجل؟
تشير دراسة صادرة حديثا عن مراكز اجتماعية أوروبية إلى أن 80 بالمئة من المتزوجين بالفاتحة ، ينتمون إلى فئة عمرية تتراوح ما بين الثامنة عشرة والثامنة والعشرين، وهي تقريبا سن الطلاب في مراحل التعليم الثانوي والجامعي، و بين أشخاص بدون وثائق الإقامة او متزوجين ولهم علاقات حميمية .
تطال القضية شريحة كبيرة من افراد الجالية بإوروبا وتتداخل فيها العوامل الاجتماعية والأخلاقية والدينية والقانونية والاقتصادية، فهي ليست قضية جيل واحد وإنما تهم كل الأجيال.
وخلال حديثنا مع متضررات من الزواج الفاتحة، وافقت عزيزة بعد تردد عن الحديث عن مأساتها شرط ألا يتضح من معالم القصة أنها البطلة الحقيقية لها. فهي وفق قولها تتمتع بسمعة طيبة وترتدي الحجاب وتصلي بانتظام.
تعرفت على شقيق صديقتها ونشأ بينهما إعجاب متبادل ثم تطورت العلاقة بسرعة ووجدت نفسها معه في شقة أحد أصدقائه. وخرجت من اللقاء الأول وقد ودعت عذريتها، فحاول طمأنتها بكتابة ورقة زواج الفاتحة. واستمرت العلاقة ثلاثة أشهر، ثم بدأت الخلافات لا سيما حين ازداد إلحاحها وتوسلاتها لكي يتزوجها بشكل علني.
80 بالمئة من المتزوجين بالفاتحة، ينتمون إلى فئة عمرية تتراوح ما بين 18 و28 سنة
وحتى يتخلص من ضغطها هددها بكشف سر الزواج بالفاتحة ، وفي تلك الأثناء كانت أسرتها تجهل رفضها المتواصل لعروض الزواج، دون تقديم أسباب مقنعة، فكانت في كل مرة إما تلتزم الصمت وإما تعطي مبررات واهية.
وتتحدث “سميرة” عن قصة وقوعها في غرام شخص متزوج والذي لديه أربعة أبناء، فبعد قصة الحب بينهما، أقنعها بالارتباط به بزواج الفاتحة لأن القانون البلجيكي يمنع تعدد الزوجات . وعاشت معه حياة سرية لمدة ثلاث سنوات، ولكن فجأة تركها وهي حامل .
حاولت الاتصال به لكي يعترف بإبنه، إلا أنه رفض وهددها بفضحها . ومازالت المساومات بينهما جارية، ولا تعرف كيف أو ماذا ستفعل في المستقبل إذا ما أرادت الارتباط برجل آخر؟ هل ستقدم نفسها كآنسة أم زوجة؟
و تقول لنا سامية المطلقة بإبنين انها فضلت زواج الفاتحة خوفا من عدم رضا إبنيها على زواجها و كذلك خوفا من الزنا ، لكن رغم وثيقة الزواج الفاتحة فقد استغلت لمدة سنتين من طرف الزوج و رميت بدون أي حقوق حيث لم تعرف مكان تواجده الان بعد ما تركها إثر خلاف بسيط .
تقول فاليري ميرتنز، أخصائية اجتماعية، وهي أم لثلاث بنات “اللوم كله يقع على الأسرة لأني لا أجد علاقة صحية قائمة على الثقة بين الآباء والأبناء، فحين تكون الفتاة مهملة داخل منزلها، وتجد من يبالغ في الاهتمام بها خارج المنزل، سترتبط به بعد أن يغرر بها، ولو كان الشاب يحب الفتاة حقا لرفض الارتباط بها بزواج الفاتحة ، ولكان قد افتخر بالارتباط بها بشكل رسمي وشرعي. وعلى كل فتاة أن تفكر بعقلها؛ لأن العلانية ضرورية لإتمام الزواج”.
ويؤكد د. محمد بن جلول استشاري الطب النفسي، أن “كل ما هو سري يعني حالة من الخوف الداخلي والخوف الخارجي، وازدياد الخوف يؤدي بصاحبه إلى اضطراب نفسي دائم. والخوف هو أساس كل الأمراض النفسية، وعندما يقوم الإنسان بعمل ما، وهو خائف وقلق، فإنه يذهب إلى المرض النفسي بنفسه.
والمرض النفسي، هو اختيار أحيانا، يأتي غالبا بسبب التكوين النفسي الضعيف. وسرية الزواج الفاتحة إنما تعني التناقض بين غايتين؛ الرغبة والرهبة، الرغبة في الاجتماع بأنثى، والرهبة من إعلان ذلك. وتلك الثنائية، إنما تمثل جوهر الصراع النفسي الذي يوقع صاحبه فريسة للمرض”.
فالزواج بالفاتحة ليس محرما مادام هناك شهود على هذا الزواج، لكن المشكلة في أنه يحرم من جميع الحقوق؛ لأنه لا يسجل عند كاتب العدل. و”قد لجأ الشباب إلى هذا النوع الرخيص من الزواج، هروبا من الزواج الشرعي، الذي يضع ضوابط متعددة للزواج. فقد لا يكلف الزواج بالفاتحة ذلك الشاب أكثر من خاتم خطبة رمزي.
والسؤال الذي يطرح: هل يجوز للمتزوجة بالفاتحة، أن تتزوج بآخر من دون علمه؟ الإجابة القانونية “لا يجوز لها أن تتزوج بآخر، مادامت هناك ورقة سليمة، وبتوقيع الشهود. أما إذا كانت ورقة زوجية “بالفاتحة او عرفية ”، من دون شهود، فهذا زواج باطل، وفي حكم المنعدم “زنا”.
فالزواج بالفاتحة حالة من حالات الخلل الاجتماعي، وجريمة يشترك فيها جميع الأطراف، المرأة والرجل والعائلة. ومن المهم أن يجتمع المفهوم الشرعي للزواج مع المفهوم القانوني، بالنسبة إلى صحة انعقاد الزواج من عدمه وبطلانه، بمعنى أنه إذا لم تكتمل شروط الزواج المطلوبة، من توثيق وكتابة وخلاف ذلك، يستحق بطلانه قانونا وشرعا”.