هجرة الأدمغة المغربية .. كفاءات يستفيد منها في الخارج فقط
من المفارقة أنّه مع ازدياد هجرة العقول المغربية إلى الغرب، تزداد حاجة المغرب إلى الكفاءات الغربية في مجالات مُختلفة من الحياة، الأمر الذي يؤدّي إلى توسيع الفروق بين الدول الغنية والفقيرة، كما أن العديد من التقارير الدولية، أشارت إلى أن هجرة العقول العربية تكلف العالم العربي ما يقارب 2 مليار دولار سنويا.
أظهرت بعض الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي أن العالم العربي يساهم في ثُلث هِجرة الكفاءات من البلدان النامية، وأن 50 بالمئة من الأطباء، و23 بالمئة من المُهندسين، و15 بالمئة من مجموع الكفاءات العربية المُتَخَرِجَة يهاجِرون متوجِهين إلى أوروبا والولايات المُتحِدة وكندا، ما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية العربية.
وذكرت تقارير أن 54 بالمئة من الطلاب المغاربة، الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم، ويُشكِّل الأطباء المغاربة في أوروبا 15 بالمئة من مجموع الأطباء فيها.
ويعدّ المغرب أكثر بلد يحفز علماءه وكفاءاته على الهجرة إلى الغرب وهم من المهندسين والأطباء وعلماء الذرة والفضاء، حيث أن أكبر نسبة مهاجرين للأدمغة في العالم من سكان المغرب ، بـنسبة تقدر 23 بالمئة.
فالمغرب يقدم لأمريكا و كندا طبقا من دهب عبر ما يسمى بالقرعة التي تقنن الهجرة و تختار فقط الأدمغة و دوي الشواهد العالية ، دون الأخد بعين الإعتبار الحاجة الماسة للمغرب لهذه الطاقات ، و السؤال المطروح هنا. هل المغرب يقدم أدمغته بدون مقابل ؟ أم هناك إتفاقيات سرية تباع من خلالها الأدمغة المغربية ؟
وشهدت الأعوام الماضية محاولات مغربية عديدة للاستفادة من كفاءاتها المهاجرة، إلا أن هاته المحاولات كان مصيرها الفشل، ذلك لعدة أسباب منها بيروقراطية و إجتماعية و إقتصادية والتي كانت أحد أسباب هجرة بعض العقول إلى الغرب بالإضافة إلى عدم تهيئة بيئة مناسبة تشجع على النجاح في الداخل، وعدم وجود ملاذ آمن، يحمي هذه الكفاءات، من استهداف حرية الإبداع.
وتعتبر منظمة اليونسكو، أن هجرة العقول، نوع سلبي من أنواع التبادل العلمي بين الدول، يتسم بالتدفق في اتجاه واحد (ناحية الدول المتقدمة)، لأن في هجرة العقول نقل مباشر لأحد أهم عناصر الإنتاج، وهو العنصر البشري.
و تتجلى الأسباب والدوافع الأساسية لهجرة العقول المغربية، في عجز المغرب، على استيعاب أصحاب الكفاءات، الذين يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، إضافة إلى ضعف الدخل المادي المخصص لهم، وفقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية والتطوير.
ويرجح تفضيل المغاربة الاستقرار والبقاء بالخارج وعدم الرغبة في العودة مرة أخرى إلى وطنهم إلى عدّة عوامل اجتماعية وثقافية، منها جاذبية الوسط العلمي في الغرب وتطوّره، إضافة إلى رغبة الكثير من الطلاب المغاربة في الاستقرار ببلدان المهجر، حيث أن ما تلقوه من تكوين وإلمام بالبيئة الغربية ونجاحهم في فرض كفاءتهم العلمية بات رابطا وثيقا بالدول التي تحتضنهم.
وتقدم الدول المتقدمة تسهيلات للكفاءات المهاجرة من المغاربة ، ما يحفزها على الاستقرار بالدول المستضيفة، فضلا عن الاندماج بالمجتمعات الغربية وما يفرزه من حلقات تواصل كالزواج والاستقرار الاجتماعي، في الوقت الذي تعاني فيه مجتمعاتهم الأصلية من سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية ونقص الإمكانيات كحال أغلب بلدان العالم النامي.
وبحسب مراقبين مغاربة ، فإن خطورة هجرة الكفاءات، تبرز في جانبين، أولهما التكلفة التي يتكبدها المجتمع في تكوين وتعليم المهاجر إلى حدود موعد هجرته، وبينما تتمتع الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا، بالملايين من الدولارات نتيجة لهجرة العقول والمهارات إليها، فإن هذه العقول لم تكلف الدولة المضيفة شيئا في تنشئتها وتدريبها.
ويتجسّد الخطر الثاني لهجرة الأدمغة المغربية إلى الغرب في عدم استفادة بلدهم من مهارتهم الفكرية والمعرفية وهو ما ينعكس سلبا على شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث تتسبب هجرة الكفاءات، في ضياع جهودها الإنتاجية والعلمية وتقديم فائدتها إلى الغرب، في الوقت الذي تحتاج فيه التنمية المغربية إلى مثل هذه العقول، التي هي عادة ما تكون أفضل العناصر القادرة على الإنتاج الفكري والعلمي، وعلى الاختراع والابتكار داخل المغرب .