تغيير جوهري في سياسة لندن بشأن جماعة الإخوان المسلمين

قال الخبير البريطاني في مكافحة الإرهاب الكولونيل تيم كولنز إن الحزب الحاكم في تركيا يقدم ملاذا لقادة وعناصر جماعة الإخوان المسلمين وهو ما يساهم في دعم الإرهاب في العالم. وأوضح كولنز، مدير منظمة نيو سنشري لمكافحة الإرهاب، خلال مداخلة بمجلس اللوردات البريطاني بشأن الدعم القطري والتركي لتنظيم الإخوان، أن هذه الجماعة تتبع أسلوب التقية، فالإخوان دائما ما ينادون بالديمقراطية لكنهم يخفون أجندة سرية من أجل تغيير المجتمعات من أجل تمكينهم من السلطة لتنفيذ أجنداتهم التي تتعارض في مبادئها مع ما جاء به القرآن الكريم من دعوات للتسامح والعيش المشترك ومع مبادئ المجتمعات الغربية التي فتحت لهم أبوابها واعتبرتهم مواطنين كغيرهم.

تعتبر المملكة المتحدة اليوم مركز الإخوان المسلمين في العالم. ومنذ الخمسينات من القرن الماضي استقبلت قادة الإخوان من مصر بعد تضييق جمال عبدالناصر، ثم توالت جحافل الإخوان قادمة من تونس وليبيا وغيرهما من البلدان العربية وهناك تمدّدت الجماعة ورسخت حضورها.

وظهرت أجيال إخوانية شابة، تحمل الجنسية البريطانية وتتكلم الإنكليزية وتتمتع بمزايا المواطنين البريطانيين، وعلى ذات المنوال الإخوان الأوروبيون، موظفين ذلك في خدمة أجندة إخوانية عمرها أكثر من 80 سنة.

وتطلب اكتشاف هذه الحقيقة سنوات من الفوضى بالإضافة إلى إرهاب ضرب العمق البريطاني والأوروبي والعالم، حتى تستفيق بريطانيا على هذا الخطر الذي كانت يوما ما سببا في ظهوره ثم تغوّله.

ورغم المساعي الأخيرة للتضييق على الإخوان وإغلاق بعض مؤسساتهم يؤكد الكولونيل تيم كولنز، مؤسس منظمة نيو سينشري لمكافحة الإرهاب أنه “أنهم يستخدمون جمعيات ومؤسسات تعطيهم نفوذا وحجما أكبر من حقيقتهم”.

تأتي التصريحات، التي أدلى بها كولنز، ضمن موجة صاعدة في بريطانيا تهدف إلى إرسال إشارات قوية عن تغيير جوهري في سياستها بشأن التعامل مع الإخوان وربط أنشطتهم بشكل مباشر بالإرهاب.

تستمد مداخلة الخبير البريطاني في مكافحة الإرهاب قوة حجّتها من تقارير سابقة تناولت الإخوان، أبرزها التحقيق الذي قام به السير جون جينكينز سفير بريطانيا السابق في الرياض للتدقيق في أنشطة التنظيم في بريطانيا والأيديولوجيا التي يروجها.

الكولونيل تيم كولنز: أردوغان يرفض إعادة الإخوان رغم مطالبة دولهم بهم، وفي الوقت نفسه يطلب من أميركا أن تسلمه غولن على أساس أنه “إرهابي” ويغضب لأنها لم تستجب لطلبه
وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون أمر سنة 2014 بإجراء هذا التحقيق، والذي خلص بعد حوالي 20 شهرا من البحث والمتابعة إلى أن “الانتماء إلى الإخوان المسلمين بداية الطريق نحو التطرف.

وذكّر كولنز بذلك، مشيرا خلال مداخلته، إلى أن تقرير السير جينكينز أكد على تورط الإخوان في أعمال متشددة وأنهم عبارة عن تنظيم يستغل الدين لأغراض سياسية ويسعى لإقامة دولتهم دون احترام للمكونات الأخرى.

وقال كولنز إن تقرير جنكيز تضمن وثائق تؤكد أن الإخوان لم يكونوا جماعة تحظى بالموثوقية، فالإخوان يستخدمون لغتين لمخاطبة الآخرين، كتاباتهم وخطابهم للغرب باللغة الإنكليزية يختلفان بشكل كبير عن خطابهم لجمهورهم باللغة العربية.

وأضاف “إذا نظرنا إلى أيديولوجيا الإخوان لوجدنا أنهم جماعة متشددة تدعو للعنف وهذا ما أثبتته تجربتهم في مصر، وبطبيعة الحال لم يقتصر تأثيرهم على مصر والمناطق العربية والإسلامية بل وصل مفعولهم إلى الدول الغربية”.

على صعيد عملهم في أوروبا، أكد كولنز أن “الإخوان استغلوا منظمات وجمعيات خيرية تم تسجيلها في الغرب لتمويل أعمالهم ونشاطهم السياسي وغيرها من الأنشطة”.

وأشار إلى أن الإخوان المسلمين كتنظيم يستطيع أن يلعب بعقول بعض المواطنين المسلمين المقيمين في الغرب ويقوموا بتحويلهم إلى أشخاص خطيرين ومستعدين للقيام بأعمال تضر بأوطانهم. كما يمكن أن يقدموا الدعم للمجرمين المستعدين للقيام بأعمال خطيرة ضد أوطانهم الجديدة في الغرب.

ويدّعي الإخوان المسلمون أنهم يمثلون المسلمون في الغرب والدول العربية، كما أبدوا رغبتهم بالتحاور مع الحكومات الأوروبية، ولكن كولنز اعتبر أن الإخوان تنظيم سري وله أجنداته الخفية والتي لا تتطابق مع ما يدّعيه في خطابه للغرب.

وأضاف أن قيم الإخوان المسلمين تدعم التشدد والأعمال الإرهابية ولا تتطابق بطبيعة الحال مع القيم في الغرب ولا يحترمون حقوق الإنسان والقوانين الاجتماعية والحريات ولا يهتمون بقيم التسامح.

وأوضح كولنز أن الإخوان يفسرون القرآن بحسب رغباتهم ومصالحهم السياسية لتخدم تنظيمهم بعيدا عن قيم الإسلام السمح، فمثلا يتحدثون عن دار السلام ودار الحرب، ووفقا لهذا المنطق دار السلام هي دار المسلمين أما دار الحرب فهي بلاد الغرب. وشاهدنا خطباءهم على المنابر يدعون إلى الجهاد الذي بنظرهم مباح ضد كل شخص غير مسلم.

وأكد أن تنظيم الإخوان يسعى لإبعاد قيم العلمانية وتبني مفهوم ديني بحت، ففي مصر، وبعد سقوط نظام حسني مبارك قالوا إن القرآن هو دستورنا. أما في تونس، وحسب تقدير كولنز، فقد كان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مختلفا قليلا عن جماعة الإخوان في مصر، “إلا أنه علينا ألا نأخذ الأمور بما يعلنه الإخوان لا في تونس أو مصر بل علينا أن ننظر في أيديولوجيتهم المتشددة”.

إثر أحداث الربيع العربي، التي فتحت الباب على مصراعيه لجماعة الإخوان المسلمين ليحققوا حلم الوصول إلى الحكم، في مسقط رأسهم مصر، ثم يتمددوا إلى بقية العالم العربي والإسلامي، لعبت تركيا وقطر دورا رئيسيا في هذا المشروع الذي انتهى بفشل ذريع تدفع اليوم تركيا وقطر ثمنه.

وهدفت الحلقة النقاشية في مجلس اللوردات إلى الوقوف على حجم الدور القطري والتركي في دعم الأجندة المتشددة، التي تتبناها جماعة الإخوان، وحجم الدعم الذي تقدمانه لها.

وتطرق الكولونيل تيم كولنز إلى ذلك متحدثا عن الدور التركي وإلى أي مدى استغل الرئيس رجب طيب أردوغان تأخر أميركا في إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب فقام بدعمهم ومساعدتهم على التوسع في العالمين العربي والغربي.

وأشار كولنز إلى أن أردوغان يستقبل في تركيا أعدادا كبيرة من الإخوان المسلمين من أغلب الدول العربية ويرفض إعادتهم إلى دولهم رغم مطالبة دولهم بهم. وفي الوقت نفسه وبشكل متناقض تماما، يطلب أردوغان من أميركا أن تسلمه غولن على أساس أنه “إرهابي”، ويبدي استياءه لأن الجانب الأميركي لم يستجب له.

ولم يتوقف الأمر عند تمكين الإخوان في الخارج، حيث عمل أردوغان، وفق كولنز، عبر الإخوان المسلمين على تغيير شكل تركيا التي عرفناها من دولة أتاتوركية علمانية إلى دولة أقرب للإسلامية. فقد عملت جماعة أردوغان في تركيا على تغيير عقلية أجيال جديدة عبر التوجه لها بخطاب ديني وخصوصا في الأرياف والمناطق الفقيرة، حتى اكتسب شعبية كبيرة بينهم ومكنوه من الوصول إلى السلطة.

ويرى كولنز أن هناك تناقضات عند أردوغان، فبينما كان يدعو الإخوان في مصر إلى تبني العلمانية كان يحول تركيا العلمانية إلى إسلامية. ولو فرضنا حقا أن إخوان مصر المدعومين من تركيا التزموا بدعوات أردوغان وتبنوا العلمانية كمفهوم للدولة المصرية لما وجدناهم الآن في السجون.

أما في قطر، فقد استقبلت الدوحة الإخوان وتعاونت معهم منذ الخمسينات، فبعد أن هرب الإخوان من مصر خلال حكم جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، تبنّتهم قطر ومولتهم وساندتهم. وعملت على نشر مفهوم الإخوان. كما تستضيف قطر أحد أبرز وجوه الإخوان يوسف القرضاوي الذي يدعو إلى التشدّد من الدوحة ويحث على الجهاد والعمليات الانتحارية ضد الأعداء.

ويرى القرضاوي أن الإسلام سيأتي إلى الغرب من جديد كغاز ومنتصر عبر نشر الأيديولوجيا الإخوانية. وفي تلميح لاتهام قطر بتمويل الإخوان، أكد كولنز أن أحد أكبر ما يعانيه الغرب الآن هو كيفية منع تمويل الإرهاب، فقد وصل إلى الإخوان في أوروبا 165 مليون يورو.

وقال كولنز إن أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني قدم لدار الإسلام 20 مليون يورو لبناء مسجد في كوبنهاغن وهي جماعة تابعة للإخوان من فرع حماس في الدنمارك. فالإخوان عبارة عن تنظيم متشعب له الكثير من المنظمات التي تظهر بالنيابة عنه في العلن ولكن في النهاية كلهم إخوان مسلمون. وهناك اتحاد التنظيمات الإسلامية في فرنسا والذي يسعى إلى بناء مركز ديني لهم لنشر أفكارهم وأيديولوجياتهم.

وفي بريطانيا، وصل حوالي 25 مليون جنيه لتمويل الإخوان تم إعطاء بعضها للجامعات البريطانية (قسم الدراسات الإسلامية) لتحافظ على ترابطها مع الإخوان. ويقول كولنز إن يوسف القرضاوي دعا إلى تقديم الدعم لهذه الأقسام الإسلامية في الجامعات البريطانية، وقام أمير قطر بإرسال حوالي 2.8 مليون جنيه لقسم الدراسات الإسلامية في جامعة أوكسفورد عبر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

كما قدمت قطر 15 مليون يورو عبر منظمات وجمعيات قطرية ذهبت إلى الإخوان في بريطانيا، الذين استخدموا قسما من الأموال في بناء مركز إسلامي في شيفيلد. وهذه المراكز الإسلامية بإشراف وإدارة الإخوان سيكون لها دور معرقل لاندماج المسلمين في أوروبا.

ولقيت المداخلة اهتماما بالغا في ظل تصاعد المواقف التي تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات حاسمة ضد الإخوان والمتشددين الذين استغلوا سياسة التسامح واستقبال بريطانيا لهم كلاجئين سياسيين ومواطنين فروا من تضييق النظام لهم ليمارسوا داخل بريطانيا الفوضى التي تفطن إليها قادة الأنظمة في بلدانهم، لذلك قطعوا عليهم الطريق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: