تحذيرات في الجزائر من صراع عرقي بسبب الجدل حول الأمازيغية

مراقبون يرون أن إقرار العيد الأمازيغي ينطوي على مزايدات سياسية بين أجنحة السلطة المتصارعة حول المستقبل السياسي في البلاد.

تخفي الاحتفالات الشعبية والرسمية في الجزائر بالعيد الأمازيغي، الموافق للثاني عشر من يناير، تهديدا محتملا للاستقرار الاجتماعي في البلاد مرده محاولة توظيف مسائل الهوية سياسيا وأيديولوجيا من قبل تيارات متطرفة.

وتتوقع البعض من الأوساط تداعيات متوقعة لقرار السلطة، باعتبار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم إجازة مدفوعة الأجر.

وحذّر محمد أرزقي فراد، الباحث والمؤرخ الجزائري، من مغبة تلقف ملف الهوّية الأمازيغية من قبل الدوائر المتطرفة وتوظيفه في تصفية حسابات أيديولوجية وسياسية تكون خطرا كبيرا على الاستقرار الاجتماعي والثقافي في البلاد.

وانخرطت الحكومة، بإيعاز من رئيس البلاد عبدالعزيز بوتفليقة، بشكل لافت في الاحتفالات الرسمية التي نظمت في مختلف المحافظات. وأثنى مسؤولون كبار على ما وصفوه بـ”القرار الحكيم لرئيس الجمهورية، باستكمال إرساء عناصر الهوية الوطنية”.

وأمر محمد عيسى، وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري ، أئمة المساجد بتخصيص خطبة صلاة الجمعة إلى احتفالية يناير والحض على المصالحة مع الذات والاعتزاز بالتاريخ والانتماء إلى الأمة. كما أعلن خلال زيارته لمحافظة البويرة القبائلية عن تخصيص برنامج تدريبي للأئمة في المساجد والزوايا، من أجل التحكم في اللغة الأمازيغية.

وتبادل الجزائريون التهاني برأس السنة الأمازيغية في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. لكن قراءات سياسية وإعلامية ألمحت إلى معالم أزمة ثقافية وأيديولوجية في البلاد في ظل الانحراف المبكر نحو خلق صراع لغوي وإثني بين المكوّنين الأمازيغي والعربي، والذي ظهر عبر منصات التواصل الاجتماعي بين المنتشين بتخصيص عيد يناير وبين رافضين أو متخوفين من تحويله إلى تصفية حسابات أيديولوجية إثنية.

باحثون يتخوفون من توظيف دوائر متطرفة لملف الهوية الأمازيغية لتصفية حسابات أيديولوجية وسياسية تكون خطرا كبيرا على الاستقرار الاجتماعي والثقافي في البلاد
وأعلن عبدالعزيز بوتفليقة عن تخصيص رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم إجازة مدفوعة الأجر في أعقاب احتجاجات لنشطاء أمازيغ عاشتها البعض من مدن البلاد خلال الأسابيع الماضية، بعد إسقاط الأغلبية البرلمانية لمقترح تخصيص دعم مالي في ميزانية الدولة لتدريس اللغة الأمازيغية وتفعيل الأكاديمية الأمازيغية المنصوص عليها في الدستور الجديد.

وأظهرت الدوائر الحكومية وأحزاب السلطة مرونة غير مسبوقة في التعاطي مع الحراك الأمازيغي، خشية وقوعها في خصومة سياسية مع سكان منطقة القبائل. وانتقل الرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، مساء الجمعة، إلى عاصمة القبائل تيزي وزو، حيث أشاد في كلمة ألقاها هناك بقرار الرئيس وباعتزاز الحزب بالبعد الأمازيغي.

وأشارت تحذيرات ، إلى تداعيات خطيرة للملف بسبب ما أسماه بـ”تنطّع السلطة وتطرف البعض من الناشطين وتكفل السياسيين بالملف بدل إحالته على المختصين والأكاديميين”. كما حذر من مساعي توظيف الملف لخلق حواجز عرقية بين مكونات المجتمع الجزائري.

وأبدى محمد بلعالية، المستشار الرئاسي السابق والقيادي في حزب طلائع الحريات، قلقا كبيرا من “انحراف النقاش إلى منحى خطير، إذ تحول الخلاف بين الشعب والسلطة الحاكمة على المطالب المشروعة إلى خلاف بين مكونات الشعب الواحد مما يضع البلاد على حافة أزمة تهدد وحدة ومستقبل الأجيال القادمة”.

وأظهر بلعالية شكوكا في خلفيات القرار الصادر “في وضع يشوبه الكثير من الغموض حول هرم السلطة والوضع الصحي لبوتفليقة”، موضحا أن الأخير “أعلن في مدينة تيزي وزو خلال سنوات حكمه الأولى بأن الأمازيغية لن تكون لغة رسمية وإذا كانت كذلك فلن تمر إلا على استفتاء يشارك فيه جميع الجزائريين”.

ويرى مراقبون أن إقرار العيد الأمازيغي ينطوي على مزايدات سياسية بين أجنحة السلطة المتصارعة حول المستقبل السياسي في البلاد قبل حوالي عام ونصف من انتهاء الولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة. كما اعتبر هؤلاء أن القرار يفتح البلاد أمام سجال قد يأخذ أبعادا عرقية بين المكونات المشكلة للمجتمع الجزائري.

ولفتت ردود الفعل المتداولة في القواعد الشعبية إلى ارتفاع أصوات لا تقف عند حدود مطلب اللغة والهوية والموروث التاريخي بل تتعداه إلى خطاب عنصري يهدد وحدة البلاد، بسبب هيمنة الدوائر المتطرفة على الملف بما فيها تلك المنادية باستقلال المنطقة.

وكرس تعاطي الدوائر الحكومية مع اعتماد اللغة الأمازيغية أول المعوقات التي تحول دون تعميمها. وأصدرت وزارة الداخلية بيانا بمناسبة عيد يناير بلغة أمازيغية مكتوبة بحروف لاتينية، كما رحب وزير الاتصال جمال كعوان بأي مبادرة لرجال الإعلام لتأسيس صحف ناطقة باللغة الأمازيغية المكتوبة بحرف التيفيناغ. وعكس هذا الأمر حالة التخبط داخل السلطة بشأن اللغة الأمازيغية.

وأشار مختصون إلى أن تعميم تعليم اللغة الأمازيغية يتطلب وقتا طويلا وجهودا مضنية من طرف الأكاديميين لوضع أسس لغة عملية قابلة للتجسيد في مختلف المجالات التعليمية والإدارية ومختلف المعاملات اليومية.

وعاشت منطقة شمال أفريقيا تطورات تاريخية واجتماعية عديدة، مما ساهم في تفجير اللغة الأصلية إلى لهجات محلية مختلفة. وتوجد في الجزائر 12 مجموعة أمازيغية تتكلم لهجات مختلفة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: