سكيزوفرينيا المهاجرين المغاربة بأوروبا
يخاطر الآلاف من المغاربة بأرواحهم في البحر للوصول إلى أوروبا بينما تستقر هناك أجيال منذ بداية الهجرات المنظمة في ستينات القرن الماضي. وهؤلاء يشكلون معا اليوم ما يزيد عن 10 بالمئة من الشعب المغربي.
بعد سنوات من الاستقرار خارج الوطن يجد المغاربة في الداخل وفي زمن الديمقراطية اليوم، صعوبة في فهم ما يتطلع إليه مواطنوهم في المهجر تجاه بلدهم الأم.
من بين هؤلاء المهاجرين نخبة من السياسيين والأكاديميين والكفاءات عالية التكوين، بالإضافة إلى معارضين فروا من بلدهم، بحثا عن حرية التعبير في بلد المهجر بأوروبا.
المعضلة الرئيسية في كل ذلك أن ما راكمته هذه النخب المهاجرة بمختلف مشاربها من تجارب الحياة والمواطنة الكاملة وسط ديمقراطيات عريقة، لا تعكس تطلعاتها في أغلبها بالضرورة التجارب نفسها تجاه بلدها الأم.
بل إن المفارقة الكبرى تكمن في أنه بقدر صراخ بعض الجمعيات و الكونفدراليات المغربية بالخارج وشكواها من منغصات اليمين المتطرف بأوروبا عبر استهدافها بموجات الخطاب الشعبوي، فإنها لا تجد حرجا في المساهمة في تشتت الجالية بخطاباتها و التفكير فقط في مصالحها الشخصية بدلا من الصالح العام .
بالنسبة للمتخصصين في دراسة التطرف وأسبابه العميقة، قد لا ينظر إلى تجارب الدهس مع أنيس العامري في برلين ومحمد بوهلال في نيس، أو الطعن مع أحمد الحناشي في مرسيليا، كحالات معممة وسط الجاليات المهاجرة ولكنها تبعث بإشارات واقعية عن اتجاهات الرأي السائدة في أوروبا.
ويمكن ملامسة تلك الإشارات بشكل واضح في منصّات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والأحزاب والمجتمع المدني المهاجر. ولعل الجانب الأكثر وضوحا في ذلك هو التعليقات على المباشر في شبكات التواصل .
خروجهم اللافت للنظر في المباشر عبر شبكات التواصل يكشف في جانب منه عن سكيزوفرينيا المهاجرين في أوروبا والذين يرفلون بنعيم الديمقراطية والمواطنة بينما يصدرون نموذجهم اليميني إلى بلدهم الأم، وهو أمر قد يستدعي فهما سوسيولوجيا أوسع يتجاوز مسائل الاندماج والتشتت القيمي في بلد الهجرة.
ولكن تضع هذه السكيزوفرينيا أيضا الطبقة السياسية بالمغرب أمام مستقبل خطير ومجهول اذا لم يتم إعادة النظر في علاقة الجالية بالحكومة المغربية و الاستجابة لبعض الضروريات و المشاكل التي يتخبط فيها المهاجر المغربي من مجلس الجالية ووزارة الجالية .
فعليا لا تغير الخرجات الفيسبوكية من المعادلة السياسية الحالية في المغرب لكنها تحمل بلا شك الكثير من الدلالات بشأن اتجاهات الرأي المعاكسة في بلدان الإقامة . كما تؤشر على تحول دراماتيكي في العلاقة بين الجالية و المغرب .