توميو أوكامورا فوكوياما التشيكي يخشى من استعمار المسلمين
أوكامورا يقود حملة عدائية للمسلمين المتواجدين في أوروبا جاعلا من هذه الفكرة اللبنة الأولى في سعيه لكسر شوكة الاتحاد الأوروبي وتدميره.
سياسي هجين يسعى إلى تدمير الاتحاد الأوروبي
في العقدين الماضيين لمع اسم فرانسيس فوكوياما الذي تباهى طويلاً وبحماس عنصري بالقول “أنا أميركي 100 بالمئة رغم أصولي اليابانية”. كان فوكوياما صرعة فكرية وسياسية، سيما حين أعلن نظريته المسماة “نهاية التاريخ”. ومثلما مرّ العقدان الآنفان فإن شهرين فقط، مضيا على حصول حزب “الحرية والديمقراطية الحرة” في جمهورية التشيك بزعامة التشيكي ذي الأصول اليابانية توميو أوكامورا، على نسبة 10.6 في المئة في الانتخابات.
وهي نسبة كافية لأن يبدأ زعيم الحزب اليميني المتطرف، المعروف بعدائه للمهاجرين العرب والمسلمين، بحملة هدفها الإطاحة بالاتحاد الأوروبي بشكله الحالي خلال مؤتمر عقد في العاصمة التشيكية براغ بناء على دعوة وجهها أوكامورا إلى زعماء الأحزاب المتطرفة في أوروبا منشئا تجمّعا متطرفا جديدا أطلق عليه اسم “حركة أوروبا الأمم والحريات” وضمّ أحزابا يمينية أوروبية مثل الجبهة الوطنية الفرنسية، وحزب الحرية النمساوي، وحزب رابطة الشمال الإيطالي، وحزب الحرية الهولندي.
إسلاموفوبيا متجددة
لا ينتهي خوف أوكامورا من المهاجرين العرب والمسلمين إلى أوروبا، حيث لم تكن تحذيراته التي أطلقها خلال اجتماعه بقادة اليمين المتطرف في براغ حول ما سماه “استعمار المسلمين لأوروبا” إلا جزءا بسيطا من حملة عدائية مستمرة للمسلمين المتواجدين في أوروبا، جاعلا من هذه الفكرة اللبنة الأولى في سعيه إلى كسر شوكة الاتحاد الأوروبي، وتدميره في نهاية الأمر.
لا يجد التشيكي المتطرّف مشكلة في اتهام المهاجرين بالإرهاب والانضمام إلى داعش في تصريحاته الكثيرة، التي طالما أطلقها خلال حملاته الانتخابية موجها أصابع الاتهام إلى تركيا وحلف الناتو ودول الاتحاد الأوروبي الداعمة لهجرة المسلمين إلى أوروبا وتدفّقهم الذي ازداد في السنوات الأخيرة، مع تصاعد موجات اللجوء من دول الشرق الأوسط خصوصا العراق وسوريا نتيجة الحروب التي ضربت البلدين، ما يسهّل عمليات تدفق الإرهابيين ويؤدي إلى زعزعة استقرار دول أوروبا بحسب ادعائه.
هجوم على زعماء العالم
ولا تعدّ عدائية أوكامورا ضد المسلمين والمهاجرين العرب أمرا جديدا، حيث قاد الزعيم التشيكي المتطرّف، حملة استهزاء بالمسلمين في عام 2015 دعا خلالها إلى الترويح عن الكلاب والخنازير باصطحابها للتنزه بالقرب من المساجد ومراكز الأحياء السكنية الإسلامية كنوع جديد من الاحتجاج ضد المسلمين، مطالبا بعدم شراء البضائع منهم ومقاطعة الأعمال التجارية الإسلامية، وإظهار العداء للإسلام “الراديكالي” علنا من قبل الناس.
ولطالما وجّه أوكامورا أصابع الاتهام بقضية اللاجئين خلال العامين الماضيين إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مدعيا تنفيذها لأجندات الولايات المتحدة الأميركية، ومعتبرا أن سياسة تدفق اللاجئين التي تسمح بها ميركل تساهم بإضعاف أوروبا.
حملة أوكامورا هدفها الإطاحة بالاتحاد الأوروبي بشكله الحالي. وقد أطلقها خلال مؤتمر عقد في ديسمبر الماضي في العاصمة التشيكية براغ، بناء على دعوة وجهها إلى زعماء الأحزاب المتطرفة في أوروبا، منشئا تجمعا متطرفا جديدا أطلق عليه اسم “حركة أوروبا الأمم والحريات”
استغرب أوكامورا كيف تستجيب المستشارة الألمانية لطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمحاسبة الإعلامي الألماني الساخر يان بوبرمان بتهمة توجيه إهانة لرئيس دولة أجنبية، داعيا إلى محاكمة أردوغان وحكومته في محكمة لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب وفرض عقوبات على تركيا.
وقد عبّر في وقت آخر عن غضبه، متهجماً على المملكة العربية السعودية حين انتخبت كعضو في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مدعيا أن هذا هو الجنون بعينه، فضلا عن اتهامه الإدارة الأميركية، بعيد انتقادها لوضع الغجر في التشيك. قول أوكامورا إن “الإدارة الأميرکیة التی تنتقد تشيكيا هي نفسها التي تقوم ومنذ عدة سنوات بخطف الناس من مختلف دول العالم وتعذیبهم وسجنهم، دون إخضاعهم لأي محاکمة، فیما یموت الآلاف من الناس في أميرکا من الجوع والبرد والأمراض دون أي مساعدة تقدّم لهم من قبل هذه الإدارة”.
شكل جديد لأوروبا يسعى إليه أوكامورا سيكون أكثر انفصالية يتجسّد في تدمير الاتحاد الأوروبي الذي يعتبره الزعيم التشيكي المتطرّف آيلا إلى الزوال خصوصا مع التطورات الجديدة التي ساهمت في صعود حركات اليمين في العديد من الدول الأوروبية، حيث تجلّت مساعي أوكامورا بتوجيه تفكير قادة التطرف في أوروبا، من خلال دعوة الأمم الأوروبية إلى التخلص من إرث هذا الاتحاد الذي يعاني من مشكلات كثيرة.
نحو نسف أوروبا
يرجّح أنّ تزايد المساعي إلى تدمير الاتحاد الأوروبي جاء بعيد ثلاثة أشهر من وقوع انتهاكات في القواعد التي أطلقتها المفوضية الأوروبية ضدّ كل من جمهورية التشيك وبولندا والمجر، لرفضها استقبال مهاجرين من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي بموجب خطة تقاسم عبء اللاجئين.
حُجّة أوكامورا في هذه الدعوات أن أوروبا تمرّ بانحطاط القيم القومية والثقافية التقليدية، وأنّ الاتحاد الأوروبي يتحوّل إلى دولة شمولية. ما جعله يدعو إلى أوروبا تنتفي فيها المركزية السياسية والاقتصادية وتقوم على التعاون الوثيق بين دولها ذات السيادة على أساس الفائدة المتبادلة وعدم إملاء الشروط من قبل الهيئات الأوروبية التي تتطفّل على شعوب أوروبا.
عدائية أوكامورا ضد المسلمين والمهاجرين العرب ليست أمرا جديدا، حيث قاد حملة استهزاء بالمسلمين في عام 2015 دعا خلالها إلى الترويح عن الكلاب والخنازير باصطحابها للتنزه بالقرب من المساجد ومراكز الأحياء السكنية الإسلامية
ويستعين أوكامورا بدعم لافت من زعماء التطرف في دول أوروبا على رأسهم زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان، وهي التي صرّحت بأن الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي منظمة كارثية. مؤكدة أن الأحزاب اليمينية قادرة على القضاء على الاتحاد الأوروبي، وهي تدعو الشعوب الأوروبية إلى تحرير نفسها من أغلال الاتحاد الأوروبي الذي يقود القارة إلى الموت، بحسب لوبان التي أكدت أن منظمة “اتحاد الشعوب الأوروبية ستكون أفضل بديل للاتحاد الأوروبي لأنها تقوم على التعاون الطوعي والاحترام المتبادل بين الدول الأوروبية”.
كذلك الأمر بالنسبة إلى زعيم حزب الحرية الهولندي خيرت فيلدرز الذي يؤكد أن الاتحاد الأوروبي يشكل تهديدا لوجود الأوروبيين، آملا في أن يُبقي التشيكيون أبوابهم موصدة في وجهة المهاجرين داعما الخطوة التي اتخذتها تشيكيا والتي رفضتها المفوضية الأوروبية.
بينما ينتظر أوكامورا دعما آخر قادما من النمسا بعيد وصول زعيم حزب الحرية المتطرف هاينز كريستيان شتراخه لمنصب نائب المستشار. حيث تؤكد المجموعة المتطرفة أن التعاون سيكون في ما بينها خارج إطار الاتحاد الأوروبي، رافعين شعار “من أجل أوروبا – الأمم صاحبة السيادة”.
يؤكد أوكامورا أنّ ضمان أمن أوروبا يكمُن في تأمين حدودها الجنوبية وإنهاء أيّ نوع من أنواع التقارب بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، مشيراً إلى أنّ “الناس المهذّبين عادة لا يعقدون أي اتفاق مع المجرمين”، وذلك في إشارة إلى الاتفاق الذي وقّعه الاتحاد الأوروبي مع أنقرة بخصوص وقف تدفّق المهاجرين إلى أوروبا مقابل إلغاء تأشيرات الدخول للأتراك إلى منطقة شنغن.
أوكامورا فوق ذلك، يدعو الغرب إلى تصحيح سياساته والضغط على الولايات المتحدة لتنهي سياساتها القائمة على إثارة النزاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمساهمة في حل المشاكل التي أوجدها في تلك الدول بتعاونه مع واشنطن، مشيراً إلى أنّه يتوجب على الغرب أن يدفع ثمن ما دمّره وليس نقل المشاكل إلى أوروبا.
زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان تقف إلى جانب أوكامورا بقوة وهي التي صرحت بأن الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي منظمة كارثية
الحروب تصنع الدول
لا يعرف أحد هل يتطابق ما في ذهن هذا الزعيم المتطرف مع ما في عقول الناس في الشارع أم لا؟ فقد هتف المتظاهرون أمام فندق اجتماع المتطرفين بالعار لهم، ناعتين إياهم بكارهي الأجانب، ومطالبين بالعدالة الاجتماعية بدلا من العنصرية والكراهية للمهاجرين القادمين إلى أوروبا، في وقت تلاحق فيه الشبهات أعضاء هذا التجمع اليميني الذي دعا إليه أوكامورا، من قبيل أنه تجمّع ضعيف يسعى إلى زعزعة استقرار أوروبا منذ تأسيسه قبل عامين، ويهدف إلى انتزاع تمويل من أوروبا كما أكد كاس مود خبير العلوم السياسية من جامعة جورجيا في الولايات المتحدة الأميركية.
ولئن كان فوكوياما قد لفت الأنظار إلى نفسه بأفكاره المتطرّفة ملكياً أكثر من الملك ذاته، فإنه وفي أحدث تصريحاته أثار جدلاً كبيرا حين قال مؤخراً إنّ العراق يمكن أن يتحوّل إلى قصة نجاح غير متوقعة، بحسب تعبيره.
قال فوكوياما، في تغريدة له على موقع تويتر في الأيام الأخيرة من العام 2017 “يمكن أن يتحوّل العراق إلى قصة نجاح غير متوقعة، إن كانت متواضعة، فالحرب تصنع الدولة والدولة تصنع الحرب”. إلا أنّ أوكامورا يرى أنّ الحرب قائمة سلفاً بين الحضارات وأنّ عليه وعلى رفاقه تسهيل إظهارها إلى العلن بتفكيك الاتحاد الأوروبي من الداخل كما هدّدت لوبان.