إسلاميو أوروبا يتجاهلون القوانين المدنية ويعوضونها بأحكام شرعية

الإسلاميون في أوروبا يحصلون على الامتيازات التي توفرها المنظومات الحقوقية في هذه البلدان ذات التشريعات المتطورة، وفي الوقت ذاته لا يعترفون بمبدأ المواطنة الذي تفرضه هذه القوانين المدنية المعمول بها في البلدان التي يعيشون فيها. ومن مظاهر هذه الانتهازية السافرة، عدم الامتثال لقانون الأحوال الشخصية المعمول به، وذلك عبر التمسك بأحكام صادرة من محاكم شرعية في بلدانهم الأصلية، وهو ما خلق جدلا وإرباكا خصوصا في بلدان تقر بالتعددية المجتمعية.

تطرح مسألة اندماج المسلمين في العالم، لا سيما لدى دول الاتحاد الأوروبي، أسئلة حول الشروط الواجب على المسلمين القاطنين داخل أوروبا احترامها، والقواعد التي عليهم العيش تحت سقفها ليكونوا مواطنين كاملي الأهلية في الحقوق والواجبات.

وقد كشفت “يورو نيوز” الخميس الماضي أن محكمة العدل الأوروبية أقرت بأن قوانين الاتحاد الأوروبي لا تعترف بالطلاق الغيابي الصادر عن المحاكم الشرعية الإسلامية.

جاء ذلك على خلفية النظر في قضية أقامها زوجان سوريان (يحملان الجنسية الألمانية) ويعيشان في ألمانيا.

وخلصت المحكمة الأربعاء الماضي إلى أن “قواعد الاتحاد الأوروبي تنطبق فقط على حالات الطلاق المعلنة أمام محكمة وطنية أو هيئة عامة، وليس الطلاق الذي يتم أمام محكمة شرعية”. وأوضحت المحكمة أنه يجب حل القضية على أساس القوانين الألمانية.

واستغربت بعض الأوساط الإسلامية الناشطة في ألمانيا هذا التناقض الذي يبرز في سلوك بعض المسلمين الذين يسعون من خلال القوانين الألمانية إلى اكتساب الجنسية الألمانية ونكران هذه القوانين حين يتعلق الأمر بالأحوال الشخصية.

ورأى بعض الحقوقيين أن هناك شرائح مسلمة في أوروبا تتعامل مع قوانين البلدان الأوروبية على نحو انتقائي بحيث تستخدم منها ما تستفيد منه وتستخدم التشريعات المعمول بها في بلدانها الأم، لا سيما تلك المعمول بها في المحاكم الشرعية، طالما أن ذلك يكون أكثر إفادة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة التي تحميها القوانين الأوروبية.

وفيما نجح قسم كبير من المسلمين في الاندماج كليا داخل المجتمعات الأوروبية، من خلال خضوعهم التام لدساتير وقوانين البلدان التي يعيشون بها، ما زالت المعضلة تكمن في الشرائح الاجتماعية المسلمة التي تعيش جغرافيا في أوروبا، لكنها تسعى لاستغلال التشريعات الأوروبية، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، لفرض أنماط عيش تستخدم قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في الأوطان الأم.

ويأتي قرار محكمة العدل الأوروبية على خلفية قضية أثيرت منذ عام 2013، حين باشر الزوج السوري إجراءات الطلاق في محكمة شرعية في سوريا عبر وكيل له هناك، وصادقت المحكمة الشرعية على الطلاق بناء على طلب الزوج منفردا وإعلان عزمه على الطلاق. وكانت الزوجة اعترفت خطيا بالطلاق، إلا أنها اعترضت عليه لاحقا، عندما تقدم زوجها بطلب للاعتراف بالطلاق في ألمانيا.

وقد أحالت محكمة بمدينة ميونيخ الألمانية القضية إلى محكمة العدل الأوروبية للمساعدة في تفسير قواعد الاتحاد الأوروبي، بحسب موقع التلفزيون الألماني “دويتشه فيله”.

وتقول منابر ناشطة لدى الجالية المسلمة في ألمانيا إن لجوء بعض المسلمين إلى تجاهل التشريعات المعمول بها في ألمانيا هدفه العيش داخل غيتوهات مقفلة معزولة عن سيرورة العيش العام في البلاد.

ويضيف هؤلاء أن الأمر يقود حكما إلى كره الآخر من جهة ومقت الذات أيضا والترويج لأفكار تضع حدودا بين ما يطلق عليه بدار السلم ودار الحرب.

وحذرت هذه المنابر من فرض الأحكام الشرعية الصادرة عن محاكم شرعية على العائلات المسلمة التي تعيش في أوروبا، ليس فقط بسبب عدم اتساقها مع القوانين في بلدان الاتحاد الأوروبي، بل لأنها تفرض على هذه العائلات ثقافة تشعرهم بالغربة الدائمة داخل بلدان ولدوا بها أو وفدوا إليها، وهي بلدان من المفترض أن يعيشوا بها بصفتهم مواطنين تجوز عليهم الحقوق والواجبات المعمول بها لدى كافة المواطنين الآخرين.

وسبق لخبراء في شؤون الجاليات الإسلامية في فرنسا أن وجدوا رابطا ما بين تقاضي المسلمين في ما بينهم في فرنسا، لا سيما في مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث، وقصور هذه الشرائح على العيش بتآلف واندماج كاملين داخل المجتمع الفرنسي وتحت سقف القوانين الفرنسية.

ويجزم خبراء الإرهاب في بلجيكا على أن عدم اعتراف بعض الشرائح الاجتماعية المسلمة بالقوانين الوضعية في أوروبا يستنـد في جـانب منـه على قنـاعة بـأن تلـك قوانين “كافـرة” مقـارنة بالقـوانين الشرعية التي يودّونها مرجعهم الوحيد، ولا يعترفون بغيرهـا مـن القـوانين المـدنية التي تسـاوي بين الجميع وبصرف النظر عن الانتماء الديني.

وتكشف هذه الأوساط أن هذا السلوك لطالما أسس لمنهج التطرف الذي يتحوّل بشكل آلي إلى إرهاب حال توفّر الأدوات الأيديولوجية واللوجيستية.

بيد أن عاملين أوروبيين في الشؤون القانونية يرون أن لجوء بعض المحاكم في البلدان الأوروبية إلى الاعتراف بما تصدره المحاكم الشرعية في البلدان المسلمة بحق مواطنيهم، روّج أيضا لهذا المنهج داخل المجتمع الإسلامي في أوروبا، لا سيما لدى البلدان التي تقر بمنظومة التعددية المجتمعية داخل البلد الواحد كبريطانيا مثلا.

وأوصى هؤلاء بضرورة التشدد في هذا الأمر احتراما للتراكم التاريخي الذي أنتج القوانين الأوروبية الحديثة المدافعة عن حقوق الفرد بصفته مواطنا وليس بصفته عضوا تابعا لجالية دينية أو قومية.

واعتبرت هذه الأوساط أن تشدد المحاكم الأوروبية سيساعد المسلمين في الاندماج الكلي داخل المجتمعات الأوروبية، كما سيشيع في أوساط العائلات المسلمة في أوروبا قواعد وجب احترامها ستقلص، وقد تنهي تماما، بقاء المواطنين المسلمين خارج الدوائر الطبيعية في البلدان الأوروبية.

ويحذر مراقبون لشؤون الجاليات في أوروبا من أن عقلية الغيتو التي ينتهجها بعض المسلمين في أوروبا ستنتج مجموعات معزولة عن الثقافة والحياة الاجتماعية العادية، لكنها أيضا ستضع المسلمين في حالة تناقض وربما مواجهة مع القوانين المدنية التي لا يمكن الانحراف عنها في مجتمعات غربية علمانية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: