التجربة المغربية لمحاربة الإرهاب تصل إلى النمسا
المغرب قطع شوطا كبيرا في إرساء ثقافة التعايش والحوار والقبول بالمختلف حفاظا على النسيج المجتمعي وسعيا وراء القضاء على كل أسباب الغلو والتطرف الذي بات آفة تترصد السلم المحلي والإقليمي والعالمي. وتأتي اللقاءات والمشاورات الدولية جزءا من هذه الاستراتيجية الشاملة التي يعتمدها المغرب لمحاصرة آفة التطرف والقضاء على أسبابه كما هو الشأن بالنسبة للمشاركة المغربية في الندوة الدولية المقامة في العاصمة النمساوية فيينا حيث أكد وزير العدل المغربي أن الإسلام دين تسامح وتعايش بين أهل الأديان وليس كما يصوره التكفيريون.
لم تعد تجربة المغرب في محاربة الإرهاب تقتصر عليه وحده، بل أصبحت تجربة ريادية يتقاسمها مع دول شقيقة وصديقة، كانت آخرها دعوة النمسا لوزارة العدل المغربية لتصبح شريكا استراتيجيا لها في تبادل خبرات مكافحة الإرهاب والتطرف، مشيدة بحجم الإصلاحات التي يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، تلك الإصلاحات التي بفضلها تتميزالمملكة المغربية باستقرارها الفريد في المنطقة.
في لقاء بالعاصمة النمساوية فيينا، الأسبوع الماضي، جمع وزير العدل المغربي محمد أوجار بنظيره النمساوي وولف برادستيتر، أشاد الأخير بدور المغرب ووصفه بالقوي في مواجهة التطرف والإرهاب، ملتمسا من وزير العدل التسريع بدراسة مشاريع اتفاقيات التعاون النمساوية ـ المغربية في المجالات المدنية والجنائية وترحيل السجناء، وكذا التعاون التقني وتبادل التجارب والزيارات بين وزارتي العدل في البلدين الصديقين، وتمتين العلاقات الثنائية بينهما.
وأمام كبار المسؤولين القضائيين النمساويين في ندوة “الوقاية من تطرف الأشخاص رهن الاعتقال”، أكد وزير العدل المغربي أن بلده يقوم بعدد من الإصلاحات في كافة المجالات، خاصة منها مجال إصلاح منظومة العدالة، وكذا التعريف بتجربة المغرب في مكافحة الإرهاب والتطرف وإرساء ثقافة التسامح والتعايش والتنوع، مذكرا، الوزير، بأهمية التعاون القائم بين بلده ومجموعة من دول الاتحاد الأوروبي في مجال التعاون القضائي ومكافحة الإرهاب، مشددا على ضرورة الرفع من مستوى التعاون بين وزارة العدل المغربية ونظيرتها النمساوية.
القضاء على العمليات الإرهابية دون التصدي للفكر المولد لها هو قضاء على أعراض الداء وتجاهل لمكمنه الحقيقي
وفي بيان لوزارة العدل المغربية، حصلت “العرب” على نسخة منه، نبه المسؤول الحكومي المغربي المشاركين في ندوة العاصمة فيينا إلى الخطر الذي تواجهه دول العالم كافة جراء تنامي ظاهرة الإرهاب، وتنامي الفكر المتطرف الداعي إلى القيام بأعمال إرهابية، مشيدا بتجربة المملكة المغربية في مكافحة الإرهاب، وهي تجربة وصفها البيان الوزاري بالتي تعتمد مقاربة شمولية، إضافة إلى أنها مقاربة استباقية ووقائية، عقابية جزائية، وأيضا إصلاحية لفائدة الأشخاص الموضوعين رهن الاعتقال في قضايا التطرّف والإرهاب.
وأكد نفس المصدر على أهمية التعاون بين الدول لتبادل أنجع التجارب لمواجهة التطرّف وتدمير الفكر الذي يبيح القيام بأعمال إرهابية، باعتباره فكرا متطرفا لا يمت بأي صلة إلى الإسلام الذي هو دين ينبني على أسس السلام والتسامح والتعايش بين أهل الأديان، معلقا أن السلوك الإرهابي يبدأ من أفراد لا يحملون سلاحا ولا يلقون قنابل أو متفجرات، لكنهم يقدمون فكرا يسوغ السلوك الإرهابي ليبدو سلوكا شرعيا.
وهذا أخطر ما في الأمر ولا يمكن التصدي له عبر حلول أمنية وحدها، وإنما بتفعيل وسائل وأدوات أخرى من شأنها أن تجفف المنابع المغذية للفكر المتطرف وتغرس نوعا من الآلية الوقائية التي ترفض بصفة تلقائية كل تفكير يتعارض مع قيم العيش المشترك.
وحسب البيان المذكور، فإن الوزير أوجار أفاد المشاركين في ندوة “الوقاية من تطرف الأشخاص رهن الاعتقال” في العاصمة النمساوية بأن دعاة الإرهاب يستغلون أحدث الوسائل، خاصة منها الوسائط الإلكترونية، ويعتمدونها كمنصات لتمرير خطابات وأفكار الكراهية والتطرف، كما أنهم يقومون بنشر فكرهم المتطرف في كتب ومنشورات وتسجيلات، وعلى مواقع الإنترنت.
وخلص المسؤول الحكومي عن العدالة في الدولة المغربية إلى ضرورة التصدي لدعاة الفكر المتطرف المولد للإرهاب، محذرا بأن خطرهم لا يقل عمن يقتل ويفجر الآخرين، وأن القضاء على العمليات الإرهابية دون التصدي للفكر المولد لها هو قضاء على أعراض الداء وتجاهل لمكمنه، مفيدا الحاضرين في الندوة الدولية حول الإرهاب بأن المملكة المغربية قامت بإصلاح شامل للحقل الديني وتأطيره، متخذة في ذلك عدة تدابير على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.