شل المعارضة في البرلمان الجزائري

التوترات الأخيرة في الجزائر هي وليدة طمس التعددية الحزبية وفشل النظام في صنع نموذج الحياة السياسية الديمقراطية واصطدام التنمية الوطنية بصخرة الفساد.

ليس من الصعب فهم المرجعيات التي تولدت منها العلاقة المتوترة حاليا بين أحزاب المعارضة البرلمانية الجزائرية وبين النظام الحاكم وأحزاب الموالاة التي تتهم، في هذه الأيام، حزب العمال الجزائري بأنه وراء تحريك المظاهرات التي نفذها مؤخرا تيار أمازيغي معروف في المحافظات ذات الأغلبية السكانية الأمازيغية، وكادت أن تفجر الوضع السياسي في الجزائر وأن تعيد البلاد إلى ما كانت عليه في فترة الربيع الأمازيغي في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي.

هذه التوترات هي وليدة طمس التعددية الحزبية وفشل النظام في صنع نموذج الحياة السياسية الديمقراطية، فضلا عن اصطدام التنمية الوطنية بصخرة الفساد والجهل بأبجديات بناء بنيات الدولة العصرية العادلة، وهذا الفشل المركب أفرز عنقودا من المشكلات وفي صلبها المشكلة الأساسية التي يعاني منها البرلمان الجزائري منذ سنوات وهي التحويل المنهجي للمعارضة الناشئة إلى أقلية مجهرية فيه، وذلك في ظل تأبيد احتكار أحزاب النظام للأغلبية البرلمانية ولصنع القوانين تحت قبة المؤسسة التشريعية التي يفترض أنها مؤسسة شعبية تطبخ فيها الأفكار السياسية والقوانين التي تصب في مصلحة الشعب الجزائري.

الواضح أن الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى، الذي قام خلال هذا الأسبوع بتوجيه نقد حاد إلى مجموعة من الشخصيات الممثلة للمعارضة الحزبية داخل البرلمان، واتهمها “بإثارة الفوضى بمنطقة القبائل باستغلال ملف الأمازيغية”، يريد أن يطيح بفصيل من المعارضة الجزائرية وهو حزب العمال الذي وصف ممثليه البرلمانيين بأنهم يمارسون “المناورة الديماغوجية” و”يروجون بأن الدولة قد تجاهلت أو نسيت اللغة الأمازيغية”.

في هذا السياق يحاول أويحيى أن يقدم حججا ضد هذا الحزب المعارض، مبرزا أن اللغة الأمازيغية تُدرّس في أغلب محافظات القطر الجزائري وفي أطوار التعليم الابتدائي والتكميلي والثانوي والجامعي. ويلاحظ هنا أن أويحيى يلجأ بطريقة مركزة ومنهجية إلى استخدام قاموس ينفرد بمصطلحات مقصودة ومعينة لكي يكسب الرأي العام الوطني ويؤلبه ضد المعارضة البرلمانية منها مصطلحات الديماغوجية والدولة والفوضى والفتنة، فضلا عن إلصاق تهمة الكذب بها.

وهكذا يسعى أويحيى إلى أن يظهر المعارضة بأنها ضد الدولة ومؤسساتها وليس ضد أحزاب الموالاة فقط وفي الطليعة حزبه وحزب جبهة التحرير الوطني ومختلف أجهزة النظام الحاكم، ويعني هذا أنه يريد وصف المعارضة بأنها لا تملك الشرعية جراء محاربتها للدولة ومؤسساتها بما في ذلك البرلمان الذي يحاول النظام أن يقدمه للرأي العام بأنه يمثل الشعب الجزائري.

أما مصطلح الديماغوجية الذي يوظفه أويحيى في هجومه على المعارضة فإنه يرمي إلى إظهار المعارضة بأنها تفتقد إلى المنطق والفكر السياسي البناء، في حين أن اتهامه لها بزرع الفتنة بين الجزائريين يهدف إلى إظهارها أمامهم كقوة تخريبية تهدد الوحدة الوطنية وتعادي التعايش السلمي بين الإثنيات المكوَنة للمجتمع الجزائري.

وفي الواقع فإن الوزير الأول الجزائري يلعب بواسطة هذا التكتيك التحريفي لعبة خطيرة تتمثل في اختزال كل المعارضة في فصيل صغير، أو في هذه الشخصية المعارضة أو تلك، علما أن المجموعة الممثلة لحزب العمال داخل البرلمان الجزائري لم تدع إطلاقا إلى تمرد المنطقية القبائلية، أو إلى تفجير فتنة إثنية أمازيغية ضد الإثنية العربية، بل إنها طلبت من الحكومة توفير المزيد من الإمكانيات المالية من أجل مساعدة وتشجيع الباحثين المنخرطين لتحقيق النجاح في إخراج اللغة الأمازيغية من طورها الشفوي إلى طور اللغة الواصفة قصد ترقيتها إلى لغة قادرة على مواكبة تطورات العلوم والفكر والآداب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: