الرباط تقدم نموذج القوة الناعمة في أفريقيا
المغرب تخلص من ‘سياسة الكرسي الفارغ’ في المنتديات الإقليمية والدولية للدفاع عن حقوقه وبناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون في مختلف القضايا.
الدبلوماسية المغربية تتبنى أسلوب الإقناع والتعاون
يقدم المغرب نموذج القوة الناعمة في أفريقيا القائم على تحقيق المصالح المشتركة حيث تعمل الدبلوماسية المغربية على تبني أسلوب الإقناع والتعاون الاقتصادي لبناء علاقات قوية مع الدول الأفريقية.
ويرى خبراء أن الرباط تعمل على استعادة مكانتها في القارة السمراء وتقوية علاقاتها مع أغلب بلدانها وفق منطق رابح – رابح.
وقال تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط إن “الدبلوماسية المغربية تتبنى أسلوب الإقناع والتعاون الاقتصادي كأساس لتطوير العلاقات مع الدول الإفريقية”.
واعتبر الحسيني أن “مشاركة العاهل المغربي الملك محمد السادس في القمة الإفريقية- الأوروبية شكلت رسالة بليغة وواضحة”.
واحتضنت مدينة أبيدجان يومي 29 و30 نوفمبر الماضي أشغال القمة الأفريقية الأوروبية بمشاركة 83 دولة من القارة السمراء وأوروبا.
وأضاف أن مشاركة العاهل المغربي في القمة أثمرت نتائج دبلوماسية كبيرة، تمثلت في استعداد دولة مالاوي لسحب اعترافها بجبهة البوليساريو الانفصالية وقبول رئيس أنغولا الدعوة لزيارة المغرب، والاجتماع الرفيع بين الملك محمد السادس ورئيس جنوب أفريقيا، جاكوب زوما.
وانتهى الاجتماع بين الملك المغربي وزوما إلى رفع التمثيل الدبلوماسي إلى أعلى مستوى وبناء شراكة اقتصادية بين البلدين في المستقبل.
ورأى الحسيني أن “استعادة المغرب مكانته في الاتحاد الأفريقي لا يجب أن تكون شكلية، فلابد من لعب دور رئيسي على مستوى آليات اتخاذ القرار بالمنظمة، خاصة ما يتعلق بمجلس الأمن والسلم وباقي الهيئات الاقتصادية”.
وتابع “المغرب يقدم أوراقا رابحة لأفريقيا، خاصة وأنه يعتمد سياسة التعاون مع بلدان القارة بمنطق رابح- رابح (طرفان رابحان)، وهي قائمة على تحقيق المصالح المشتركة، موظفا في ذلك أذرعه الاقتصادية القوية”.
ولم يتوقف انفتاح الرباط نحو بقية دول أفريقيا على إبرام اتفاقيات بصفة حكومية فقط، بل بات القطاع الخاص المغربي حاضرا بقوة في القارة السمراء.
المغرب يقدم أوراقا رابحة لأفريقيا
وفي 2016 عزز المغرب موقعه كأكبر مستثمر أفريقي في القارة خلال العام، حسب وكالة الأخبار الاقتصادية “إيكوفين”، برأس مال 5 مليار دولار في 22 مشروعا.
ويعد المغرب أكبر مستثمر في غرب أفريقيا، والثاني على مستوى القارة بعد دولة جنوب أفريقيا، وفق تقارير دولية.
ويوجد في أفريقيا حاليا أكثر من ألف شركة مغربية استثمرت 2,2 مليار دولار أميركي خلال الفترة من 2008 إلى 2015، وخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء.
علاقات قائمة على الاحترام المتبادل
شدد الحسيني على أن هدف بلاده “ليس فرض السيطرة على أحد من بلدان القارة، بل بناء علاقات قائمة على المعاملة بالمثل والمساواة في السيادة وخدمة المصالح المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة للشعوب”.
وأضاف أن “المغرب أصبح يقدم نموذج القوة الناعمة في قارة أفريقيا، ليس فقط بخصوص القضايا ذات الطبيعة السياسية والاستراتيجية، بل حتى ما يتعلق بحفظ الأمن والسلم الدوليين ومحاربة الإرهاب”.
وتابع “الرباط تقدم أوراقا رابحة على مستوى توظيف الدين في محاربة الإرهاب من خلال تكوين (تدريب) الأئمة، ونشر الإسلام المستنير القائم على الوسطية”.
كما “جعل (المغرب) ملف الهجرة ضمن أولوياته، خاصة وأنه في السنوات الأخيرة تحول من بلد عبور (نحو أوروبا) إلى بلد إقامة، وهي إقامة أصبحت تتحقق في ظروف مشرفة عكس ما يقع في بلدان جارة”، وفق الحسيني.
وشدد على أن “المغرب أصبح بمثابة وسيط مركزي ومنصة استراتيجية للربط بين أفريقيا وأوروبا وبين أفريقيا ومناطق أخرى”.
وقال الحسيني إن “المغرب بصدد وضع قدمه داخل المجموعة الاقتصادية لغربي أفريقيا، باعتبارها منظمة اندماجية يمكن أن تشكل كتلة قوية مؤثرة في قرارات الاتحاد الأفريقي”.
وتعقد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو) اجتماعا في أبوجا عاصمة نيجيريا يوم 16 يناير 2018 للحسم في طلب عضوية الرباط.
وتوقع الحسيني أن “يستقبل الاجتماع المغرب بحفاوة، ويمنحه عضوية كاملة” في المجموعة التي تضم 15 دولة.
ويرى أن موريتانيا ستطالب باستعادة عضويتها (في سيدياو) بعد أن انسحبت عام 2000، وتونس قدمت بالفعل طلبا رسميا بهذا الخصوص.
وشدد بهذا الخصوص على أن “دول غرب أفريقيا مجتمعة ستشكل كتلة وازنة لها دورها القوي في التأثير على القرار في الاتحاد الأفريقي”.
الصحراء مغربية
يقول الأكاديمي المغربي تاج الدين الحسيني إن “عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي تهدف إلى تصحيح خلله وعلته من الداخل وتجاوز التنكر للمشروعية القانونية ودعم موقف الرباط في قضية إقليم الصحراء”.
وتتمسك الرباط بأحقيتها في الصحراء وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها.
وخلص الحسيني إلى أن “المغرب أيقن منذ مدة أن “سياسة الكرسي الفارغ” في المنتديات الإقليمية والدولية غير مجدية على الإطلاق، لذلك “اتخذ قرارا شجاعا بتجاوز الفجوة التي تفصل بينه وبين الاتحاد الأفريقي وقرر العودة إليه”.
وصادقت قمة الاتحاد الأفريقي، في يناير الماضي على عودة عضوية المغرب بعد أكثر من ثلاثة عقود من انسحابه احتجاجاً على قبول المنظمة لعضوية جبهة “البوليساريو” الانفصالية.