رهان جزائري جديد للخروج من الخضوع لإيرادات النفط

قدمت الحكومة الجزائرية وعودا جديدة لتخفيف خضوعها الشديد لعوائد صادرات النفط والغاز، وكانت هذه المرة تتعلق بإنعاش صناعة الحديد والصلب، التي شهدت انحدارا كبيرا طوال عقود رغم وعود مماثلة سابقة.

أعلنت الحكومة الجزائرية أنها ستسمح بتصدير الحديد، بعد أن أعلنت قبل أسبوعين السماح بتصدير الإسمنت، لكن محللين شككوا بجدوى الخطوة لأن البلاد لم تحقق الاكتفاء الذاتي في القطاعين.

وأكد مراقبون أنها مجرد محاولة يائسة من الحكومة لتخفيف أزماتها المالية وتقليل اعتمادها الشديد على عوائد صادرات الطاقة، التي لم تعد تكفي لسداد فاتورة الواردات في ظل شلل النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أمس عن مسؤول حكومي تأكيده أنه سيتم قريبا تصدير حديد البناء المنتج في مجمع توسيالي للحديد والصلب في وهران إلى دول عربية وأفريقية، دون تحديد الكمية المبرمجة للتصدير أو تاريخ بدء التصدير أو الدول المستوردة.

ويستغرب المراقبون تلك التصريحات لأن البيانات تؤكد أن الجزائر دولة مستوردة للحديد والصلب لعدم كفاية الإنتاج المحلي لمواجهة الطلب المتزايد الذي يزيد على ضعفي حجم الإنتاج المحلي.

وكانت فؤاد توسيالي مدير شركة توسيالي التركية التي تدير المجمع قد ذكر أن الشركة سترفع استثماراتها لزيادة إنتاج الحديد والصلب في الجزائر من 2.9 مليون طن سنويا حاليا إلى 5 ملايين طن بعد الانتهاء من أعمال التوسعة بحلول 2021.

كما دخل مصنع جزائري قطري مشترك مرحلة الإنتاج في أكتوبر الماضي بحجم إنتاج يصل إلى مليوني طن في مرحلته الأولى ثم يرتفع لاحقا إلى 4 ملايين طن.

لكن مراقبين يقولون إن التجارب السابقة في صناعة الحديد فشلت فشلا ذريعا بسبب البيروقراطية وارتباك السياسات الحكومية مثل الاستثمار الكبير الذي وضعته شركة أرسيلور ميتال وانتهى بفك الشراكة وتراجع الإنتاج.

وتكافح الحكومة الجزائرية لإنقاذ الاقتصاد المتعثر ورفع نسب النمو وخفض استنزاف النقد الأجنبي وتنويع الاقتصاد ومصادر دخل الموازنة التي تعتمد على النفط بنسبة 94 بالمئة.

وقد قدمت الكثير من الوعود والخطط لكنها سرعان ما تذوي لتعود السلطات لتقديم وعود جديدة تعد بتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص وتوطين الصناعات.

وتشير أرقام وزارة الصناعة والمناجم إلى أن الطلب المحلي على الحديد والصلب بلغ في العام الماضي نحو 8.7 ملايين طن في حين أن إنتاجها لم يتجاوز 2.5 مليون طن.

وبلغت فاتورة واردات الحديد والصلب نحو 5 مليارات دولار في 2016 أي ما يعادل 6.2 ملايين طن، قبل أن تضع الحكومة سقفا لحجم الواردات عند مليوني طن، لخفض خروج النقد الأجنبي لتغطية قيمة الواردات.

وتعاني الجزائر من تذبذب في وفرة النقد الأجنبي داخل الأسواق المحلية، مع تراجع أسعار النفط الخام الذي يعدّ المصدر الرئيس للنقد الأجنبي الوارد إلى البلاد.

ويقول المحلل الاقتصادي كمال رزيق إن السلطات عولت لسنوات على مصنع الحجار للحديد والصلب في محافظة عنابة الساحلية لكنه لم يتمكن من رفع الإنتاج.

وأضاف أن المواد الأولية متوفرة في البلاد ومن غير المنطقي تصديرها وإعادة استيرادها كمنتجات نهائية، مع ارتفاع وتيرة برامج التنمية التي تحتاج كميات كبيرة من الحديد والصلب. وتستخرج الجزائر حوالي 3.4 ملايين طن سنويا من خام الحديد في مناجم شرقي البلاد وتملك احتياطات ضخمة من خام الحديد في مناجم جنوب غرب البلاد تقدر بنحو 3 مليارات طن، لكنها غير مستغلة حتى الآن.

وأشار رزيق إلى أطراف لم يسمها، كانت تنتظر المتعامل الفرنسي ليأتي إلى البلاد ويكون الاستثمار من نصيبه، لكن خيار الشراكة والاستثمار ذهب إلى تركيا وقطر والنتائج بدأت بالظهور.

وأعلنت وزارة الصناعة الجزائرية في أكتوبر الماضي توقعات جامحة وأكدت أن إنتاج الجزائر من الحديد والصلب سيبلغ 12 مليون طن بحلول 2020 دون أن يتضمن إنتاج مجمع الحجار. وأرجعت الوزارة حجم الإنتاج الكبير، إلى الدخول المحتمل لعشرة مشاريع في عموم البلاد هي قيد الإنشاء حاليا. وتؤكد أن ذلك سيحقق فائضا سنويا يقدر بنحو 3.5 ملايين طن سيوجه للتصدير.

وفي حال تنفيذ المشاريع المصادق عليها حكوميا فإن الفائض سيبلغ 9.5 ملايين طن سنويا، حسب توقعات الوزارة.

وتعول الجزائر على دخول مصنع بلارة للحديد والصلب في محافظة جيجل الذي تبلغ قدرته الإنتاجية النهائية 4.2 ملايين طن سنويا في 2019، من المتوقع أن يصل إنتاجه كمرحة أولى إلى مليوني طن سنويا. وتأمل في أن تؤدي إعادة تهيئة مجمع الحجار الحكومي إلى زيادة إنتاجه بنحو 1.2 مليون طن سنويا ليصل إلى 2.2 مليون طن.

وبدأ مشروع توسيالي التركي أعمال توسعة المرحلة الرابعة التي تستمر حتى عام 2021 والتي سترفع الاستثمارات من 2.25 مليار دولار حاليا إلى 6 مليارات دولار.

وأكدت الشركة أنها تسعى مستقبلا للتصدير نحو أفريقيا وأن تكون إحدى أكبر شركات صناعة الحديد والصلب في القارة وبين أكبر 25 شركة حديد في العالم.

وتنشط إلى جانب توسيالي شركة تركية أخرى تدعى أوزميرت لكن باستثمار أصغر وتسعى لإنتاج 300 ألف طن سنويا فقط.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: