الجزائر تضطر للمخاطرة بطباعة النقود
أثار لجوء الحكومة الجزائرية إلى طباعة النقود لسد الفجوة الكبيرة في التمويل، استياء الأوساط الاقتصادية والشعبية التي ترى أن الخطوة ستعمق جراح اقتصاد البلاد الذي يعاني من أزمة فشلت كل السياسات الاقتصادية في معالجتها بشكل جذري.
أعلنت الجزائر البدء في عملية طبع العملة المحلية لسد العجز في الخزينة العامة، في إطار آلية التمويل غير التقليدي وسط تحذيرات من ارتفاع معدل التضخم.
وتشكل مخاطر إفلاس البلاد صداعا مزمنا للحكومة التي باتت في مفترق طرق على اعتبار أن كل الخيارات المتاحة للخروج من نفق الأزمة ستكون مؤلمة، بما فيها خطوة التمويل غير التقليدي، الذي يرى محللون أنه سيفاقم الأزمة وبالتالي تأجيج الاحتجاجات الشعبية.
وتحتاج الدولة نحو 5.5 مليار دولار لتسيير شؤونها، وهذا الرقم يبدو من الصعب توفيره في ظل الظروف الحالية، وبالتالي فإن الحكومة وجدت نفسها مضطرة إلى طباعة أوراق نقدية جديدة من دون تغطية وذلك بعد تعديل قانون القرض والنقد.
وقال وزير المالية عبدالرحمن راوية للصحافيين خلال معرض اقتصادي للمنتجات المحلية بالبلاد إن “عملية طبع النقود تم الشروع فيها مؤخرا”، دون أن يذكر متى تم تحديدا.
وأوضح أن إجمالي عجز الخزينة العامة لهذا العام والمقدر بنحو 570 مليار دينار (نحو 5.5 مليار دولار) تم التكفل به بفضل آلية التمويل غير التقليدي التي سيطرأ عليها تعديلات العام المقبل.
وعدلت الجزائر في أكتوبر الماضي قانون النقد والقرض الذي يحكم النظام المصرفي للبلاد، بهدف اعتماد التمويل غير التقليدي الذي يسمح للخزينة العامة بالاقتراض مباشرة من البنك المركزي، وطباعة المزيد من الأوراق النقدية للعملة المحلية.
وبررت السلطات الجزائرية اعتماد هذا الإجراء من أجل تفادي تجربة الاستدانة الخارجية التي مرت بها البلاد في تسعينات القرن الماضي.
وكان رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى قد ألمح قبل ذلك إلى احتمال عجز الحكومة عن دفع الرواتب لتقلص موارد الخزينة العامة، فضلا عن تبخر أموال طائلة في استثمارات غير مجدية.
وحذر خبراء ومختصون من أن هذا الإجراء سيؤثر على معدلات التضخم، التي سترتفع معها الأسعار وتنهار القدرة الشرائية للجزائريين، لكن راوية سبق وأن شدد على أن هذه الصيغة التمويلية سترافق بإجراءات صارمة للتحكم في معدلات التضخم.
وقال راوية أمام البرلمان خلال مناقشة موازنة 2018 إن “الارتفاع الذي تشهده أسعار بعض المواد الاستهلاكية، لا علاقة له بعملية طبع النقود في إطار التمويل غير التقليدي والتي لم يكن شُرع فيها بعد”.
وكان الدينار الجزائري أول المتأثرين من برنامج الحكومة الجديد حيث شهد تراجعا قياسيا خلال الفترة الأخيرة أمام سلة العملات المتداولة في السوق السوداء.
وقال تجار ومتعاملون إن اليورو بلغ 200 دينار بعد أن كان في حدود 192 دينارا، بينما بلغ الدولار الواحد 170 دينارا بعدما كان في حدود 160 دينارا.
وتعيش الجزائر أزمة اقتصادية منذ انهيار أسعار الخام في الأسواق العالمية في منتصف 2014، وسط توقعات صندوق النقد الدولي بأن يسجل النمو هذا العام 1.5 بالمئة متراجعا بنحو 2.3 بالمئة عن العام الماضي.
وتظهر بيانات حديثة أن احتياطيات الجزائر من العملة الصعبة تقترب من المنطقة الحمراء، وهو ما يعني أن الدولة النفطية دخلت في منعطف خطير من أزمتها الاقتصادية.
وبلغت الاحتياطات النقدية للجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، نحو 100 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي، بعدما كانت تبلغ نحو 114 مليار دولار نهاية العام الماضي.
وفي ضوء تلك المؤشرات المقلقة تكون الجزائر فقدت نحو 90 مليار دولار من احتياطاتها النقدية منذ بداية أزمة تراجع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية في منتصف عام 2014.
وكان أويحيى قد طمأن مواطنيه عندما تقلد منصبه قبل أشهر، بأن احتياطي النقد الأجنبي لن يهبط عن مستوى مئة مليار دولار لغاية حلول عام 2020 مع الحفاظ على معدل التضخم عند 5 بالمئة.
ويقول محللون إن فقدان الجزائر لجزء كبير من احتياطاتها النقدية يعكس فشل السياسات المالية المتبعة من الحكومات المتعاقبة، والتي تسببت في أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة الاعتماد المفرط على عوائد صادرات النفط والغاز.
وتمثل عائدات النفط أكثر من 90 بالمئة من مداخيل الجزائر من النقد الأجنبي، وحوالي 60 بالمئة من الموازنة العامة للبلاد.
وأجبر الوضع الاقتصادي المتأزم البرلمان الجزائري على إعطاء الضوء الأخضر للحكومة لدخول مغامرة زيادة الضرائب العام المقبل من أجل ردم الفجوة الكبيرة في عجز الموازنة.
ويساور خبراء الاقتصاد قلق بالغ من أن الخطوة قد تعمق الأزمة وتنذر بتفجر الاحتجاجات بسبب شلل محركات النمو أصلا، فضلا عن ارتباك السياسات الحكومية.
وللعام الثاني على التوالي تستهدف الموازنة جمع إيرادات من الضرائب تفوق عوائد الطاقة التي ظلت لعقود المصدر الرئيسي لإيرادات الموازنة العامة.
وتتوقع الحكومة عجزا بنحو 21 مليار دولار وهو رقم قياسي في بلد يعتمد بشكل مفرط على النفط