قلق جزائري من حرب وشيكة على الإرهاب في الساحل الأفريقي
تتطلع الجزائر بقلق شديد للتطورات الأمنية في حدودها الجنوبية، تحسبا لدخول القوة العسكرية الأفريقية لمحاربة الإرهاب حيّز الخدمة، بداية من مطلع العام الداخل، لا سيما في ظل تذليل المعوقات المالية، التي كانت تحُول دون تجسيد المشروع من طرف الراعي الفرنسي، وذلك بعد دخول المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بضخ نحو 150 مليون دولار لتمويل العملية.
أوفدت الجزائر وزير داخليتها نورالدين بدوي، إلى البعض من دول الساحل كموريتانيا والنيجر المجاورتين لها، والعضوين في مجموعة الخمسة، من أجل بحث المسائل الأمنية في الحدود المشتركة.
والتقى نورالدين بدوي وزير الداخلية والأمن العمومي النيجيري محمد بازوم بوزير الداخلية الموريتاني أحمد ولد عبدالله.
وخيّمت ملفات التعاون الأمني وتنمية المناطق الحدودية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود والحرب على الإرهاب، وسبل وآليات الحفاظ على أمن واستقرار المناطق الحدودية في ظل التطورات الأخيرة، والحرب المنتظرة في المنطقة خلال الأسابيع القادمة، على جولة بدوي إلى البلدين المجاورين.
وتأتي هذه الجولة مع قرب إطلاق عملية عسكرية مطلع العام المقبل، والتي تعكف فرنسا على التحضير المكثف لها ومباشرتها خلال الأسابيع المقبلة، بغية محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الصحراوي.
وأولى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ وصوله إلى قصر الإليزيه، أهمية قصوى للوضع الأمني في منطقة الساحل الصحراوي، ودولتي مالي وليبيا، بشكل يوحي بأن باريس تريد سحب البساط من تحت أقدام الجزائر رغم تقاسمها لنحو 3 آلاف كلم من الحدود البرية مع دول الجوار الجنوبي.
وكان ماكرون، صرّح في القمة التي احتضنتها العاصمة الإيفوارية أبيدجان بين الاتحادين الأفريقي والأوروبي بأن “القوة العسكرية المنبثقة عن مجموعة الخمسة، ستجتث الإرهاب في المنطقة خلال أسابيع، وسيكون فبراير القادم موعد نهاية الإرهاب في المنطقة”.
وهو ما يشير إلى معالم سيناريو الحرب المحتملة، القائمة على ضربة استباقية تتكفل فرنسا بإدارتها جويا ولوجستيا، في حين تضطلع القوة الأفريقية، بالمهمة على الأرض.
ووافقت السعودية والإمارات على تقديم نحو 150 مليون دولار لقوة دول الساحل المعروفة باسم “جي 5″ والمؤلفة من قوات من جيوش مالي وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، والمدعومة فرنسيّا، في مؤشر على أن البلدين الخليجيين يسعيان إلى كسب نفوذ في تلك المنطقة.
وأبدت الجزائر انزعاجها من المقاربة الفرنسية الجديدة، وبقي الملف محلّ خلاف بين الطرفين، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، لما أطلع الرأي العام، بأن بلاده “أنفقت دون ضجيج نحو 100 مليون دولار خلال السنوات الأخيرة، لمساعدة دول الجوار في الحرب على الإرهاب”.
وبحسب مراقبين فإن قضية تحالف الساحل تعدّ أكبر ملف خلافي بين الجزائر وفرنسا منذ اندلاع الأزمة الليبية سنة 2011، إذ أن الجزائر ترفض أي نشاط فرنسي في فضائها الحيوي.
ويرجع الخبير الجزائري محمد الصغير، رفض الجزائر المشاركة في المبادرة الفرنسية إلى “وجود دول (لم يسمّها) من خارج المنطقة ضمنها”، في إشارة إلى السعودية والإمارات، ما يعكس انحيازا جزائريا للموقف القطري وتمركزا في صف الدوحة في قضية الأزمة مع رباعي المقاطعة.
ولا يستبعد محللون سياسيون أن تكون الجزائر بصدد السعي إلى تشكيل تحالف لتعطيل نشاط هذه القوة، وهو ما يعكسه استقبالها الأحد لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.
وجاءت زيارة وزير الخارجية القطري إلى الجزائر أياما قليلة بعد اجتماع باريس حول دعم القوة العسكرية لدول غرب أفريقيا، وقد حضرته كل من السعودية والإمارات، ما يعني أن الدوحة تبحث عن تحالف مضاد يعمل على إفشال هذه القوة التي تستهدف جماعات متهمة بدعمها وتمويلها.
وتتخوف الجزائر من تداعيات الحرب المنتظرة على الإرهاب في منطقة الساحل، التي يصعب حسمها بمجرد ضربات استباقية.
ويقول مراقبون إن تجارب العراق وأفغانستان أثبتت قدرة الكتائب الجهادية على التماهي مع مختلف الوضعيات وأسلوب حرب العصابات والتفجيرات في المناطق العمرانية والآهلة بالسكان، فضلا عن الخطر المتعاظم للجيوب والفلول التي تحتفظ بعاملي المفاجأة والاستعراض.
ويرى المحلل السياسي الجزائري إسماعيل دبش، أن “وعود إيمانويل ماكرون بالقضاء على الإرهاب في منطقة الساحل خلال أسابيع، ستنتهي إلى سيناريوهات غير محسوبة في شكل حرب عصابات وجيوب وخلايا متخفية، تصفّي حساباتها مع جيوش وحكومات المنطقة، مما يرجّح بروز متاعب أمنية خطيرة، كنشاط الهجرة غير الشرعية، والجريمة العابرة للحدود”.
وكان المسؤول في الخارجية الجزائرية رياش الحواس، صرّح في الاجتماع السنوي للمركز الأفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب، بأن “تنظيم داعش تجرّع الهزيمة في الشرق الأوسط، لكن الرعب انتقل إلى القارة السمراء”، في إشارة إلى التحذيرات المتصاعدة حول انتقال نحو ستة آلاف داعشي من العراق وسوريا إلى منطقة الساحل الصحراوي.
وهي التحذيرات التي تعكس تنامي المخاوف الجزائرية، من انتقال مخاطر الشرق الأوسط إلى حدودها الجنوبية، خاصة وأنها عاشت تجربة مماثلة، مع عودة ما يعرف بـ”الأفغان العرب” في مطلع التسعينات من القرن الماضي إلى الجزائر، وتشكيلهم لخزّان بشري وعسكري للجماعات الإسلامية المسلحة، التي شنّت حينئذ حربا داخلية، لا زالت جيوبها تشكّل خطرا.