2017 الأقل دموية بالنسبة للصحافيين لكن الصحافة ليست بخير
لا يترافق انخفاض عدد الصحافيين القتلى في عام 2017 مع تفاؤل بحرية الصحافة في العالم، إذ تتعدد الانتهاكات بحقهم وتتنوع بحسب الدول والمشاكل التي تعانيها، ويغذيها تجاهل السياسيين لمسؤولياتهم وتبنيهم لخطاب شعبوي لا يراعي أهمية وجود صحافة حرة في الدول الديمقراطية.
أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود أن العام 2017 أقل دموية من السنة الماضية بالنسبة للصحافيين، غير أن الحصيلة تبقى فادحة مع سقوط 65 قتيلا من صحافيين وعاملين في الإعلام عبر العالم.
وأشارت إحصائيات المنظمة إلى أن من بين القتلى الـ65 هناك خمسون محترفا وسبعة “صحافيين مواطنين” (مدونين) وثمانية “متعاونين مع وسائل الإعلام”. والعامل المشترك بين التقارير في السنوات الأخيرة أن سوريا بقيت الدولة الأكثر خطورة في العالم على الصحافيين مع مقتل 12 منهم فيها، تليها المكسيك التي قتل فيها 11 صحافيا.
وذكرت المنظمة غير الحكومية التي تتخذ مقرا لها في باريس أن هذه الحصيلة تجعل من 2017 السنة الأقل دموية للصحافيين المحترفين منذ 14 عاما، موضحة أن أحد أسباب ذلك هو عزوف الصحافيين عن العمل في المناطق الأكثر خطرا، لا سيما بعد قرار وكالات أنباء عالمية بعدم إرسال صحافييها إلى مناطق النزاع، وبعضها قرر عدم قبول تقارير من صحافيين أجانب في مناطق الحروب.
ويعتبر عدد الصحافيين المحترفين الذين قتلوا في العالم هذا العام هو الأدنى منذ 2003.
وجاء في التقرير أن من بين الـ65 صحافيا الذين قتلوا، تم اغتيال 39 فيما قضى الآخرون أثناء ممارسة مهامهم في حوادث دامية مثل ضربات جوية أو تفجيرات انتحارية.
وقالت المنظمة إن من الأسباب المحتملة لتراجع الحصيلة تلقي الصحافيين المزيد من التدريبات للحماية في ساحات الحروب. وأضافت أن “تراجع الحصيلة يعود أيضا لعدول الصحافيين عن التوجه إلى دول أصبحت بالغة الخطورة”، وأكدت أن “دولا مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا تشهد استنزافا في هذه المهنة”، لكن هذا المنحى ليس فقط في الدول التي تشهد حروبا.
وذكر التقرير أن “العديد من الصحافيين إما فروا وإما تخلوا عن مهنة الصحافة في المكسيك، حيث تقوم كارتيلات إجرامية وسياسيون محليون بنشر الرعب”.
الصحافيون الذين يغطون أخبار الفساد السياسي أو الجريمة المنظمة غالبا ما يتم استهدافهم وتهديدهم وقتلهم
ومن بين الصحافيين الذين قتلوا في المكسيك خافيير فالديز كارديناس، أحد أبرز الصحافيين المتابعين للحرب على المخدرات، والذي أثارت تصفيته في مايو احتجاجات غاضبة.
وقتل الصحافي البالغ من العمر 50 عاما والمتعاون مع وكالة الصحافة الفرنسية في وضح النهار في أحد شوارع ولاية سينالوا الواقعة بشمال غرب المكسيك والتي تشهد أعمال عنف. وسرد في كتابه الأخير “ناركو-جورناليزم” (صحافة المخدرات) محن الصحافيين المكسيكيين الذين يحاولون تغطية أخبار كارتيلات المخدرات العنيفة جدا.
وذكرت المنظمة أن المكسيك هي الأخطر على الصحافيين بين دول العالم التي لا تشهد نزاعات، مؤكدة أن “الذين يغطون أخبار الفساد السياسي أو الجريمة المنظمة غالبا ما يتم استهدافهم وتهديدهم وقتلهم بشكل منهجي”.
وأصبحت الفلبين أخطر دولة على الصحافيين في آسيا، وقالت المنظمة إن خمسة صحافيين تعرضوا لإطلاق النار خلال العام، وقد توفي أربعة منهم متأثرين بجروحهم.
وربطت مراسلون بلا حدود بين ارتفاع عدد الضحايا من الصحافيين “والتصريحات المقلقة” للرئيس الفلبيني رودريغو دوتيريتي الذي قال في مايو “كونك صحافيا لا يعني أنك مستثنى من القتل إذا كنت سافلا”. ولم يستهدف أي صحافي في الفلبين عام 2016.
وتظهر أرقام المنظمة أن تركيا هي أكبر سجن للصحافيين المحترفين، إذ تؤكد أن 42 صحافيا وعاملا واحدا في مجال الإعلام هم خلف القضبان. وأضاف التقرير أن الصين، حيث يقبع 52 صحافيا في السجون، تتصدر قائمة الدول الخطيرة على الصحافيين إذا ما اعتبر المدونون من ضمنهم.
وقال “إن انتقاد الحكومة والعمل لوسيلة إعلام (مشتبه بها) والاتصال بمصدر حساس أو حتى استخدام خدمة رسائل مشفرة، جميعها توفر أرضية لسجن صحافيين بتهمة الإرهاب”. وهو الأمر الذي أيدته لجنة حماية الصحافيين أيضا، وذكرت في تقريرها الأخير أن عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ رقما قياسيا جديدا في عام 2017، وللسنة الثانية على التوالي كانت تركيا والصين ومصر تضم أكثر من نصف الصحافيين السجناء بسبب عملهم. وهذا النمط يُبرز الفشل الذريع للمجتمع الدولي في التصدي للأزمة العالمية في مجال حرية الصحافة.
وقالت اللجنة الدولية ومقرها نيويورك، إنه بدلا من عزل الدول القمعية بسبب سلوكها الاستبدادي، عمدت الولايات المتحدة بصفة خاصة إلى تمتين علاقاتها مع زعماء يمتلكون سلطات واسعة من قبيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الصيني شي جين بينغ.
وأضافت في الوقت نفسه، “أدى الخطاب ذو النزعة الوطنية الذي يستخدمه الرئيس دونالد ترامب، وتركيزه المفرط على التطرف الإسلامي، وإصراره على وصف وسائل الإعلام الناقدة بأنها تنشر ‘أخبارا زائفة’ إلى تعزيز إطار المزاعم والاتهامات القانونية التي أتاحت لمثل هؤلاء الزعماء مواصلة سجن الصحافيين”.
وعلى مستوى العالم، فإن حوالي ثلاثة أرباع الصحافيين السجناء محتجزون على خلفية اتهامات بمناهضة الدولة، وتستند العديد من هذه الاتهامات إلى قوانين فضفاضة لمكافحة الإرهاب، في حين ارتفع عدد الصحافيين السجناء بتهمة نشر “أخبار كاذبة” إلى 21 صحافيا، وهو عدد قياسي رغم أنه عدد قليل نسبياً.
واتهمت مراسلون بلا حدود بكين بتشديد “ترسانة إجراءاتها لاضطهاد صحافيين ومدونين”. وأضافت “أن الحكومة ما عادت تحكم على معارضيها بالإعدام، بل تسمح عمدا بتدهور حالتهم الصحية في السجن حتى يموتوا”، في إشارة إلى الحائز على جائزة نوبل ليو شياوبو والمدون المنشق يانغ تونغيان اللذين توفيا بسبب السرطان هذا العام بعد تشخيص حالتهما في السجن.