عاشقات نصف وقت
عناد المرأة صعب، قد يودي بحياتها ويعصف بالكيان الأسري، الحياة الزوجية تحتاج لبعض التفهم من الطرفين، وغض البصر عن تفاهات قد تؤرقنا كثيرا.
قبل الزواج تتسارع الأحلام الوردية في رسم صورة مثالية للحياة الزوجية وما يمكن أن تكون عليه، وطوال فترة الخطوبة تزداد تفاصيل مثالية الصورة في الوضوح، وبالطبع يتفنن كل طرف في وعوده للطرف الآخر، وللحق يكونان صادقين في وعودهما، إلا أن بداية الحياة العملية تحتاج لمزيج من الحنان والحب، الرحمة، الرفق بالشريك، التعقل، المنطقية في التصرفات، ضبط الانفعالات، الحزم، الحسم، قوة الشخصية مع النعومة الكاملة، خليط متكامل من المشاعر لا يمكن إغفال أيّ منها، والتراخي في الأحاسيس بحجة أنّ الشريك يعلم أننا نحبه.
حدثتني صديقتي الثلاثينية المتزوجة حديثا تشكو إهمال زوجها لمشاعرها وانشغاله بهاتفه المحمول طوال الوقت أو في كتابة مقالاته الصحفية ، وأنه لم يعد يهتم لمشاعرها كما كان قبلا، في نهاره وقته للعمل فقط، يأتي للبيت منهكا يلقي بجسده المتعب على الأريكة ليشاهد مباريات كرة القدم، أو الاستمتاع بأفلام سينما الأبيض والأسود مشدوها، ومساء يأوي إلى فراشه منهكا، باختصار شديد حسب رواية صديقتي هو زوج يزرع الملل في قلب زوجته، يهملها ولا يعطيها أبسط حقوقها في الأمان والرعاية والاهتمام، يا له من زوج يثير غضب زوجته، لن أجادلك يا صديقتي.
لكن ماذا عن صديقتي الزوجة الحسناء، التي تقف أمام خزانة ملابسها بالساعات تنتقي أفضلها للظهور في قمة أناقتها في عيون المارة، حسناء توزع جمالا وحسنا مجانا في الطرقات، حلي فاخرة وملابس باهظة الثمن للشارع، للغرباء يا صديقتي، فماذا عن زوجك؟
للأسف الشديد أناقة المرأة في بيتها في الكثير من الأسر في مجتمعاتنا العربية ثقافة غائبة، تهتم للخارج أما من هم بالداخل ليسوا غرباء! وهل لأنهم ليسوا غرباء لا نتجمّل لهم؟ من حق زوجك وأبنائك مشاهدة جمالك.
عودة سريعة لصديقتي مفجرة القضية، فهي شديدة الحرص على أناقتها بشكل لافت، تتجمل بأرقى أدوات الزينة والماركات العالمية الراقية من حقائب اليد النسائية والأحذية غالية الثمن، رائحة عطرها الفرنسي تنبئ بقدومها من مسافة بعيدة، تظل رائحتها تعبق المصعد الكهربائي ليومين ليضحك كل من يستقله بجملة ساخرة “يا بخت من يتزوجها، هذه المرأة تتعرق مسكا”، وهي جملة تجافي الحقيقة للأسف، الصديقة الناعمة تجلس في بيتها بملابس رثة كريهة الرائحة من أثار تعرق مختلطة بروائح إعداد الطعام، وشعر غجري متمرد في نفور يثير الشفقة والسخرية.
إشكالية مظهر المرأة داخل البيت وإهمالها له بعدة حجج تطرح سؤالا عميقا عمن له الحق في الاستمتاع بجمالها، وهل المثل العربي الشعبي القائل “كل ما يعجبك، وارتد ما يعجب الناس” صحيحا، تتخذه نساء دستورا لهن، أم أن جمالها وأناقتها ملكها وحدها ومن حقها هي أيضا الاستمتاع بمظهر خارجي جميل ونظافة تسعدها حين تنظر لمرآتها، وأن من حق زوجها رؤية ذات المرأة التي تجلس إلى جواره في السيارة تنظر في المرآة لضبط مكياجها كل ثلاث ثوان، تلك الزوجة التي تجلس في بيتها ربما لا تلتفت لأي شيء.
أعتذر فكلماتي شديدة القسوة وكانت كذلك على صديقتي، لكنها في النهاية تقبلتها حين أدركت أن الرجل يتزوج ليجد من تشاركه أحزانه وأفراحه ومشاكله، ويسره منظرها.
إعادة تفكير صديقتي في علاقتها بزوجها قلبت موازيين حياتها بإيجابية فريدة نحو علاقة حب قوية وأن تتخذ هي قرار المبادرة بإظهار الحب والحنان والاهتمام، وأن تظل عشقه ومعشوقته طوال الوقت، وألا تكون عاشقة لنصف الوقت فقط.
عناد المرأة صعب، قد يودي بحياتها ويعصف بالكيان الأسري، الحياة الزوجية تحتاج لبعض التفهم من الطرفين، وغض البصر عن تفاهات قد تؤرقنا كثيرا.