بريطانيا وأوروبا: الطلاق سهل لكن بناء علاقة جديدة أصعب

أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك موافقة دول التكتل على بدء المرحلة التالية من مفاوضات انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي (بريكست) بعد تحقيق تقدم في مفاوضات المرحلة الأولى بخصوص التزامات بريطانيا المالية وحدودها مع أيرلندا وحقوق مواطني الاتحاد الأوروبي فيها؛ فيما ستركز المرحلة الثانية على خطط الدفاع مستقبلا بعد خروج بريطانيا والهجرة والتعاملات التجارية بين الطرفين والشراكة المستقبلية بينهما ضمن مرحلة من شأنها أن تكون أصعب بكثير من المرحلة الأولى.

وافق الاتحاد الأوروبي الجمعة على المضي قدما في المحادثات مع لندن بشأن خروج بريطانيا من التكتل فيما تحسنت صلات قادته برئيسة الوزراء البريطانية تيزيرا ماي لكن الغموض لا يزال محيطا بالتجارة وكذلك قضايا أخرى.

وفي اليوم الثاني من قمة ببروكسل قال قادة الاتحاد إن “تقدما كافيا” تحقق بعد الاتفاق على حقوق المواطنين والحدود الأيرلندية والمستحقات المتأخرة على بريطانيا ما منح تفويضا للانتقال إلى المرحلة الأساسية من المحادثات والتي ستتركز أساسا حول مستقبل تجارة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي بعد الانفصال النهائي.

وغرّد رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك الذي يرأس القمة، على تويتر، قائلا إن “قادة الاتحاد الأوروبي وافقوا على الانتقال إلى المرحلة الثانية من محادثات خروج بريطانيا. تهانينا لرئيسة الوزراء تيريزا ماي”.

وردت ماي عبر تويتر بتوجيه الشكر لتوسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. وقالت “اليوم خطونا خطوة مهمة على طريق التوصل إلى خروج سلس ومنظم وترسيخ شراكتنا المستقبلية العميقة والخاصة”.

جان كلود يونكر: المرحلة الثانية من البريكست ستكون أصعب بكثير من الأولى
وأضافت “سننفذ إرادة الشعب البريطاني ونحصل على أفضل اتفاق للخروج من الاتحاد الأوروبي لبلدنا بتأمين أكبر استفادة ممكنة من الأسواق الأوروبية وتعزيز التجارة الحرة مع دول في أنحاء العالم والتحكم في حدودنا وقوانيننا ونقودنا”.

ومن المقرر أن تبدأ المناقشات حول الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من التكتل لتهدئة مخاوف قطاع الأعمال بداية العام المقبل، إلا أن المحادثات الخاصة بإبرام اتفاق مستقبلي للتجارة الحرة لن تبدأ قبل شهر مارس 2018 وهو الموعد الذي ورد في “إرشادات عامة” تحدد كيفية التعامل مع بريطانيا، مع سعيها للخروج بعد عضوية دامت 40 عاما.

الساعة تدق

بموجب المادة 50، يجب أن تخرج بريطانيا نهائيا ورسميا من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس 2019، ما يعني أن العام المقبل سيكون صعبا بالنسبة إلى ماي التي أضعفتها نكسة في البرلمان بعد التصويت على قرار يفرض مراجعة الاتفاق حول بريكست.

وستكون موافقة الاتحاد الأوروبي على إطلاق المفاوضات التجارية التي تطالب بها ماي منذ أشهر المرحلة الأصعب والاختبار الحقيقي لماي وبريطانيا ولأنصار البريكست ولمعارضيه وأيضا للقوى الأوروبية التي أعلنت استعدادها لأن تبدأ منذ يناير 2018 المفاوضات حول مرحلة انتقالية من عامين بناء على طلب لندن، لكن خلال هذه الفترة سيتعين على بريطانيا أن تواصل تطبيق القوانين الأوروبية دون المشاركة “في اتخاذ القرارات” داخل الاتحاد.

ولا يعتزم التكتل الأوروبي اعتماد توجيهات أكثر تحديدا حول العلاقات الاقتصادية المستقبلية مع لندن بعد المرحلة الانتقالية سوى في مارس 2018، إذ يريد أطرافه استيضاح النوايا البريطانية بشكل أكبر قبل اتخاذ القرار حول موقفهم بحلول الربيع.

وعلق رئيس الوزراء الهولندي مارك روته “يجب ألا نستخف بتيريزا ماي، فهي مناضلة شرسة”، مضيفا أن على بريطانيا الآن “الخروج من النفق وطرح آمالها وأفكارها حول طبيعة علاقتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي”.

وأوضح مسؤول أوروبي رفيع “إذا لم يصدر أي عامل جديد فسنعمل على أساس عدم الارتباط بوحدة جمركية أو سوق موحدة”. وستركز المحادثات المقبلة، على كيفية حصول بريطانيا على شروط مرنة تبقي على علاقتها مع السوق الأوروبية، خاصة بالنسبة للخدمات المالية.

خلال الفترة الانتقالية سيتعين على بريطانيا أن تواصل تطبيق القوانين الأوروبية دون المشاركة في اتخاذ القرارات داخل الاتحاد
وتريد بريطانيا صيغة تبعدها عن أزمات الهجرة التي تعيشها أوروبا ومشكلات القوانين الأوروبية لكن تحفظ لها مزايا التبادل التجاري مع السوق الأوروبية الموحدة؛ وهنا تبرز تساؤلات كثيرة عن الصيغة التي يمكن أن تحقق ذلك، وأي نموذج يمكن أن تتبعه بريطانيا لبناء علاقات تجارية جديدة مع 27 دولة لا تزال موجودة داخل الاتحاد ومع دول أخرى حول العالم.

والسيناريو الأسهل يقضي باتباع نموذج أيسلندا أو النرويج، من خلال الحفاظ على العضوية في الفضاء الاقتصادي الأوروبي ما سيمنحها منفذا إلى السوق الداخلية، لكن سيتحتم على لندن في هذه الحالة احترام قواعد هذه السوق الملزمة، دون أن تكون قد شاركت في صياغتها، كما سيترتب عليها تسديد مساهمة مالية كبيرة.

وتعتبر النرويج عضوا في السوق الموحدة، ومقابل التمتع بامتيازات هذه العضوية تقدم النرويج مساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي وتلتزم بالموافقة على جميع القواعد المعمول بها داخل الاتحاد، ولا يمكن للنرويج الإدلاء برأيها في قواعد السوق الموحدة.

ويتمتع جميع مواطني الاتحاد بحرية الإقامة والعمل في النرويج، لكنها معفاة من قواعد الاتحاد الخاصة بالزراعة والصيد والعدالة والشؤون الداخلية.

ويقضي سيناريو آخر باتباع نموذج سويسرا التي تخضع للكثير من الالتزامات الأوروبية لكي تضمن حرية التبادل التجاري مع الاتحاد في عدد من القطاعات.

فلدى سويسرا اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي وعدة اتفاقيات أخرى أتاحت السوق الموحدة أمام معظم قطاعاتها. لكن السوق الموحدة ليست متاحة بالكامل لقطاعها المصرفي وبعض أجزاء قطاع الخدمات السويسري. ويشكل القطاعان ما يقرب من 80 بالمئة من الاقتصاد البريطاني. وينص الاتفاق مع سويسرا أيضا على حرية حركة المواطنين.

وصوّتت سويسرا ضد الانضمام إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية في دجنببر 1992. وبدلا من هذا، وافقت الدولة، التي تبيع أكثر من 50 بالمئة من صادراتها داخل الاتحاد الأوروبي، على أكثر من 120 اتفاقية ثنائية مع بروكسل تتيح لها التعامل مع الأسواق الأوروبية. كما تساهم سويسرا بالمليارات من الدولارات في مشاريع الاتحاد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: