احتياطات الجزائر النقدية تلامس المنطقة الحمراء
عكست أحدث المؤشرات حول تسارع تبخر احتياطات الجزائر من العملة الصعبة حجم التحديات أمام الحكومة وخاصة بعد محاولاتها اليائسة لترقيع موازنة 2018، والتي يقول اقتصاديون إنها لن تعالج أزمات البلاد المزمنة.
كشفت بيانات حديثة أمس أن احتياطات الجزائر من العملة الصعبة في البنك المركزي الجزائري تقترب من المنطقة الحمراء، وهو ما يعني أن الدولة النفطية دخلت في منعطف خطير من أزمتها الاقتصادية.
وبلغت الاحتياطات النقدية للجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، نحو مئة مليار دولار بنهاية الشهر الماضي، بعدما كانت تبلغ نحو 114 مليار دولار مطلع هذا العام.
وفي ضوء تلك المؤشرات المفزعة تكون الجزائر قد فقدت نحو 90 مليار دولار من احتياطاتها النقدية منذ أن بدأت أزمة تراجع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية في منتصف عام 2014.
وكان رئيس الوزراء أحمد أويحيى، قد طمأن مواطنيه عندما تقلّد منصبه قبل أشهر، بأن احتياطي النقد الأجنبي لن يهبط عن مستوى مئة مليار دولار إلى غاية حلول عام 2020 مع الحفاظ على معدل التضخم عند 5 بالمئة.
97 مليار دولار، احتياطات الجزائر النقدية المتوقعة بنهاية 2017، بعد أن كانت 190 مليار دولار في 2013
ويقول محللون إن فقدان الجزائر لجزء كبير من الاحتياطي النقدي يعكس فشل السياسات المالية المتبعة من الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الأخيرة، والتي تسببت في أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة الاعتماد المفرط على عوائد صادرات النفط والغاز.
وتمثل عائدات النفط أكثر من 90 بالمئة من مداخيل الجزائر من النقد الأجنبي، وحوالي 60 بالمئة من الموازنة العامة للبلاد.
وتوقع وزير المالية عبدالرحمن راوية خلال جلسة في البرلمان هذا الأسبوع لمناقشة موازنة العام المقبل، تراجع الاحتياطات النقدية لتصل إلى 97 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وحاول راوية الدفاع عن خطط الحكومة باعتماد موازنة العام الجديد على سعر يساوي 50 دولارا لبرميل النفط، وأن يبلغ سعر صرف الدولار حدود 115 دينارا، رغم انتقادات خبراء المال والاقتصاد في البلاد.
وسجلت العملة المحلية خلال السنوات الخمس الماضية تراجعا ملحوظا، ما أضعف قيمتها بشكل كبير، حيث كان سعر الدولار في حدود 75 دينارا فقط، كما ساهم في تآكل قدرة المواطنين الشرائية.
كما ارتفعت المديونية الخارجية للبلاد لتصل إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار أي 1.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتمر الجزائر بأزمة اقتصادية حادة بسبب تراجع أسعار النفط، وهو ما اضطرها إلى اتخاذ إجراءات تقشفية في موازنة هذا العام وذلك للمرة الأولى منذ 15 عاما لسد الفجوة الكبيرة في الموازنة.
وتحت ضغط الأزمة النفطية وتهاوي عائدات البلاد من النقد الأجنبي، لجأت الحكومة الجزائرية إلى نظام الرخص المسبقة لتنظيم وكبح فاتورة الواردات، التي شملت السيارات ومواد البناء ثم لحقت بها الحمضيات والفواكه الاستوائية.
وأكد خبراء المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي أن الجزائر كانت أمامها فرص عديدة لتغيير نموذجها الاقتصادي طيلة السنوات الماضية، وأشاروا إلى الاحتياطي الذي تراكم خلال سنوات وغطى على المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد.
وتوقع صندوق النقد في آخر تقاريره أن تسجل الجزائر نسبة نمو بحوالي 0.8 بالمئة العام المقبل، مقابل 1.5 بالمئة متوقعة هذا العام، وذلك جراء انكماش النفقات العامة.
وحذر اقتصاديون من أن الإجراءات القاسية التي اتخذتها الجزائر في موازنة 2018 وفي مقدمتها زيادات الضرائب قد لا تنجح في تضميد جراحات الاقتصاد ومعالجة أزماته التي تفاقمت بسبب تدهور أسعار النفط للعام الرابع على التوالي.
وأجبر الوضع الاقتصادي المتأزم البرلمان الجزائري على إعطاء الضوء الأخضر للحكومة لدخول مغامرة زيادة الضرائب العام المقبل لردم الفجوة الكبيرة في عجز الموازنة.
ويساور خبراء الاقتصاد قلق بالغ من أن الخطوة قد تعمق الأزمة وتنذر بتفجر الاحتجاجات بسبب شلل محركات النمو أصلا، فضلا عن ارتباك السياسات الحكومية.
وللعام الثاني على التوالي منذ سنوات تستهدف موازنة 2018 جمع إيرادات من الضرائب تفوق عوائد صادرات الطاقة التي ظلت لعقود المصدر الرئيسي لإيرادات الموازنة العامة.
وتتوقع الحكومة عجزا بنحو 21 مليار دولار وهو رقم قياسي في بلد يعتمد على 95 بالمئة من عوائد النفط رغم الضرائب والرسوم القياسية التي تم استحداثها أو الرفع في قيمة الرسوم والضرائب الحالية.
والهدف من هذه الزيادة تغطية الارتفاع في أسعار المواد المستوردة المدعومة، حسب ما قال الاقتصادي عبدالرحمن مبتول المستشار لدى رئاسة الحكومة في عهد رئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال.
كما انتقدت الأوساط الاقتصادية الجزائرية اتساع جهود الحكومة لتقليص الواردات وأكدت أنها قد تؤدي إلى مزيد من الخلل في توازنات النشـاط الاقتصادي المتعثر.
ووضع تراجع تصنيف الجزائر على مؤشر سهولة الأعمال 2017 الصادر عن البنك الدولي مؤخرا، تأكيدات الحكومة حول استراتيجيتها التي تروج لها والهادفة إلى الخروج تدريجيا من الأزمة الاقتصادية، على المحك، في ظل استمرار الأزمة.