الرَّقص مع الذئاب
مأساة زعيم كعلي عبدالله صالح، وربما غيره، أنه عاش عندما كان وجوده مشكلة، ومات عندما حاول أن يجعل من وجوده حلا.
لم تكن عملية قتل الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، إلا نهاية مأساوية لزعيم عربي ثالث لم يقرأ جيدا مسارات التحول التاريخي، وحاول من خلال اللعب على الحبال السياسية تجيير كل الأوضاع لصالحه.
ربما يغفر التاريخ لصالح أنه استدار ببراغماتية نحو وجه اليمن العروبي، قبل 72 ساعة فقط من مقتله، وربما كان قد حاول مغادرة الحياة السياسية بنهاية مشرّفة، حينما انقلب على حلفائه “الحوثيين” ولكن لأننا، كعرب، لا نقرأ مجريات التاريخ جيدا، فقد ذكّرتنا عملية مقتله بكيفية التخلص من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، بما يوحي لنا بأن سيناريو الإعداد والإخراج والتمويل والتنفيذ واحد.
ومع التشابه بين نهاية صالح والقذافي المأساوية، كان هناك تشابه آخر بينه وبين الرئيس المصري الراحل أنور السادات، كلاهما كان داهية، ودهاؤه شكَّل عليه خطرا لم ينتبه إليه لا هو ولا من حوله.. كلاهما لم يترك شيئا لم يلعب به ويحاول أن يجعله ورقة في يده، وللأسف، كان من بين هؤلاء جماعات وتيارات الإسلام السياسي، لتكون النهاية على أيديهم.
صالح الذي حارب “الحوثيين” 6 مرات، قبل أن يتحالف معهم، ليقتلوه بعد أن انقلب عليهم، لم يتعظ من درس السادات، الذي أطلق الجماعات الإسلامية من كمونها لتساعده بمواجهة خصومه السياسيين من اليساريين والناصريين، دون أن يحسب حسابا أبدا لأن نهايته ستكون على أيديهم في مشهد درامي وفي ذكرى الاحتفال بيوم نصره في حرب أكتوبر المجيدة.. وبالتالي كان المصير الأكثر مأساوية في عصرنا الحديث.. مع الفارق طبعا بين التجربتين.
مشكلتنا الكبرى أننا لا نجيد قراءة التاريخ، ونعتبره مجرد صفحة مطوية في كتاب “مركون” على الرَّف، وإذا كان جيلنا قد عايش “فنكوش” الربيع العربي، وشاهد علنا السداسية المأساوية، “شنق” صدام حسين، و”سحل” القذافي، و”قتل” علي عبدالله صالح، و”خلع” بن علي في تونس، ومبارك ومرسي في مصر، إلا أن المهم أن تدرك البقية أن الرقص مع ذئاب الإسلام السياسي، لن يمنع ما هو أقسى.
مأساة زعيم كعلي عبدالله صالح، وربما غيره، أنه عاش عندما كان وجوده مشكلة، ومات عندما حاول أن يجعل من وجوده حلا