المغرب يقطف أولى ثمار التخلي عن سياسة المقعد الشاغر
بدأ المغرب يحصد أولى ثمار القطع مع سياسة الكرسي الشاغر، التي بدأها بالعودة إلى الاتحاد الأفريقي بالإضافة إلى حضور القمة الأوروأفريقية التي استثمرها في عقد لقاءات واجتماعات لتقوية علاقاته بالدول الأفريقية.
وأعلن جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا عودة العلاقة بين بلاده والمغرب بعد 13 سنة من القطيعة، إذ أكد أن المغرب سيرسل سفيرا إلى بريتوريا كعلامة أولى على أن البلدين سيستأنفان علاقاتهما الدبلوماسية التي عرفت قطيعة منذ سنة 2004.
وتشكل عودة العلاقات بين المغرب وجنوب أفريقيا اختراقا مهما لمحور خصوم المغرب، حيث اصطفت بريتوريا طيلة السنوات الماضية إلى جانب الجزائر وجبهة البوليساريو في ما يتعلق بقضية الصحراء.
وقالت إدنا مولويوا، رئيسة اللجنة الفرعية للعلاقات الدولية بحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، “إن هذا القرار يمثل انتكاسة كبيرة لقضية الشعب الصحراوي الساعية إلى تقرير المصير والاستقلال في الصحراء”.
وتندرج عودة العلاقات بين البلدين في إطار السعي إلى تعميق التعاون الاقتصادي والدبلوماسي وتبادل المعلومات والخبرات، وهو الهدف الذي لا يلقى إجماعا داخل جنوب أفريقيا، ما يدفع المغرب إلى بذل المزيد من الجهد الدبلوماسي قصد احتواء الأصوات الجنوب أفريقية الرافضة لهذا التقارب.
وتمثل عودة المغرب القوية إلى هياكل الاتحاد الأفريقي إشارة إلى نهج براغماتي يشي بقلب المعادلات السياسية السابقة، وهو ما تؤكده تصريحات جاكوب زوما الذي قال “كان من الصعب استئناف العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية لأنها لم تكن جزءا من الاتحاد الأفريقي إلى وقت قريب”.
المغرب يركز حاليا على الحصول على موقف محايد من جنوب أفريقيا في ما يتعلق بملف الصحراء المغربية
وقال رئيس جنوب أفريقيا في حوار صحافي الأحد الماضي إن “الملك محمد السادس أكد لي خلال اللقاء أن الصحراء تنتمي إلى المغرب، ونحن نحترم وجهة نظرهم، هم يعرفون تاريخهم بشكل أفضل”. ولفت جاكوب زوما إلى أن المغرب يرى أن “البلدين يجب أن يعيدا علاقاتهما الدبلوماسية رغم اختلاف وجهات النظر حول قضية الصحراء”.
ويرى خبراء في العلاقات الدولية أن المغرب يركز حاليا على الحصول على موقف محايد من جنوب أفريقيا في ما يتعلق بملف الصحراء، مشددين على أن عودة العلاقات بين البلدين إلى ما قبل 2004 أي سحب اعتراف بريتوريا بالبوليساريو تتطلب جهدا دبلوماسيا إضافيا من المغرب.
واعترف جاكوب زوما بما قدمه المغرب من دعم كبير للحركات التحررية ومنها لجنوب أفريقيا، حيث أكد أن “المغرب كان ضمن الدول التي حصل فيها الرئيس السابق نيلسون مانديلا على خبرة عسكرية في أوائل الستينات من القرن الماضي”.
وتابع “سبق لجد الملك محمد السادس أن التقى مانديلا حين كان خارج البلاد سنة 1962، فالمغرب ساعد مانديلا كثيرا، ولهذا السبب حين غادر السجن رأى أنه من المهم أن يذهب ليشكره على الرغم من مغادرته منظمة الاتحاد الأفريقي”.
ويرى مراقبون أن هذه الإشارة من زوما هي دعوة إلى استكمال التعاون وتعميق الحوار، إذ يملك المغرب وجنوب أفريقيا هدفا مشتركا يتمثل في مواجهة معضلة التهديدات الأمنية والنهوض بالتنمية وتعزيز الديمقراطية.
وتعمل حكومتا البلدين على تعزيز التعاون من خلال هياكل الاتحاد الأفريقي، خاصة في ما يتعلق بصناعة تدابير منع وإدارة الصراعات داخل القارة. ومن وجهة نظر خبراء في الدراسات الاستراتيجية، فإن التهديدات الأمنية تقع في سلم أولويات إعادة الدفء إلى العلاقات بين المغرب وجنوب أفريقيا، إذ يتوقعون أن يتم تطوير بروتوكول تبادل المعلومات والمعطيات الحساسة المرتبطة بالإرهاب والهجرة وتداعياتها السلبية على السلم والأمن الإقليمي والدولي.
وكان اللقاء بين العاهل المغربي ورئيس جنوب أفريقيا في أبيدجان الأسبوع الماضي نقطة انطلاق أولى الخطوات الدبلوماسية في إنهاء 13 سنة من المقاطعة وعودة سفيري البلدين إلى عملهما بالرباط وبريتوريا.
ويرى مراقبون أن الاتصال المباشر بين قائدي البلدين يعطي ضمانة أكبر لتفادي أي توتر مستقبلي في معالجة ملفات مشتركة وتشجيع المستثمرين بكلا البلدين على توجيه اهتمامهم إلى الاستثمار بقوة على أساس رابح – رابح.
ويتفق باحثون في العلاقات الدولية على أن منهجية السياسة الخارجية للمغرب المبنية على القوة الناعمة المتمثلة في الانفتاح الاقتصادي والاستثماري الكبير على أفريقيا تقوي كفة محور الرباط بريتوريا وما يمثله من جاذبية وقدرة على رعاية المصالح المتبادلة داخل وخارج القارة