اللحوم الصناعية تطرح جدلا اقتصاديا وطبيا وأخلاقيا
توصلت شركة أميركية إلى طريقة لتصنيع لحوم نظيفة مشابهة للحوم الحيوانات والطيور، بنفس الطعم والقيمة الغذائية دون الحاجة إلى ذبحها. وكان بيل غيتس، المؤسس المشارك في مايكروسوفت، قد قرر برفقة رجل الأعمال ريتشارد بنسون إضافة إلى عدد كبير من المستثمرين دعم الشركة الناشئة بـ22 مليون دولار. وتعتمد الطريقة التي تتبعها الشركة للحصول على لحوم اصطناعية على تصنيع خلايا حيوانية مماثلة للطبيعية باستخدام النباتات، دون ذبح الحيوانات، وبتكاليف أقل من اللحوم التقليدية ومعدل سعرات حرارية أقل. وأنتجت الشركة “اللحوم النظيفة” فعليا، وهي لحوم البقر والدجاج والبط المصنوعة مباشرة من الخلايا الحيوانية والتي لا تتطلب ذبح الحيوانات.
تتوقع الشركة زيادة في عدد العاملين إلى أربعة أضعاف، وبدأت فعليا في زيادة فريقها المكون من الطهاة والعلماء والمبدعين ورجال الأعمال. وتقول الشركة إنها تأمل في جلب منتجات اللحوم النظيفة للمستهلكين في جميع أنحاء العالم خلال فترة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام قادمة. ويشمل خطها الإنتاجي الأول النقانق أو ما يعرف بالهوت دوغ والبرغر واللحوم، والتي ستستخدم في جميع الوصفات التي طورها أفضل الطهاة من الحائزين على جوائز عالمية. وبالفعل، ظهرت أشكال من هذا اللحم أخيرا وعلى نطاق ضيق في بعض مطاعم ومتاجر متخصصة بالعاصمة النمساوية فيينا، وكما هو الحال في الطريق إلى مدينة غراتز والعاصمة الألمانية برلين.
وتقوم عملية تصنيع اللحوم على أخد عيّنات من الأنسجة الحيوانية وتربيتها إلى أن تصبح قطعا من الأنسجة العضلية مما يمكن من تقديمها للاستهلاك البشري.
وأوضح باحثون ومختصون أن تقنيات تصنيع اللحوم داخل المختبرات من شأنها أن تحد من مشكلات الجوع، حيث يمكن إنتاج كميات كافية لسد حاجات دول بأكملها، بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها من الغازات المنبعثة من الفضلات الحيوانية. وحُلم تصنيع اللحم في المختبرات ليس جديدا، لكنه بدأ يتحقق وستدخل شرائح اللحم الصناعي المتاجر والبيوت في السنوات القادمة، كما تشير أبحاث في هذا الخصوص.
الشرارة الأولى لحلم صناعة اللحوم بدأت عام 1908 في مختبر الفرنسي الفائز بجائزة نوبل في الطب عام 1912، ألكسي كاريل، الذي قام بوضع قطعة من لحم الدجاج في محلول مغذ ومع مرور الوقت اكتشف أن حجم شريحة اللحم يتضاعف مع الاحتفاظ بحيويتها وخصائصها. واستمرت هذه العملية مرات ومرات حتى توفي كاريل عام 1944، لكن شرائح اللحم المزروعة في أنابيب الاختبار لم تتوقف عن النمو في مختبره وقد أثارت هذه التجارب خيال بعض الكتاب فأطلقوا على اللحوم المنتجة في المختبرات اسم “لحوم فرانكنشتاين”.
وفي العام 1995 أكدت وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” دعمها لأبحاث اللحوم الصناعية لتوفير البروتين اللازم لرواد الفضاء في حالة قيامهم برحلات طويلة إلى الفضاء، خصوصا الرحلة الأولى المنتظرة إلى كوكب المريخ، كما تسابقت مراكز الأبحاث والمختبرات والشركات على مستوى العالم لتسجيل براءات اختراع في هذا المجال.
ويعتبر المتحمسون لهذا المنتج أن مستقبلا واعدا ينتظره في توفير بديل للحوم وليصبح في متناول الجميع، وخاصة مع تقديرات لمنظمة الصحة العالمية بأن الطلب على اللحوم سوف يتضاعف بحلول العام 2050 بنسبة 70 بالمئة.
أما المتحفظون والمعارضون للحوم الصناعية فينظرون بعين الريبة والخوف إلى هذا الأمر، حيث يحذرون من تبعاته الصحية ويشككون في إمكانية نجاحه ويقرعون طبول التحذير من ارتداداته الأخلاقية ويطرحون أسئلة مشروعة وأخرى يبدو مبالغا فيها كما هي العادة عند استقبال منتج أو ابتكار جديد.
وفي العالم العربي مازال التفاعل مع موضوع اللحوم الصناعية يمتاز بنوع من التحفظ أو البرود.
وعلى مستوى آراء رجال الدين في العالم الإسلامي، يقول المعتدلون منهم إنهم لا يرون التعجّل في إصدار حكم بشأن هذه اللحوم، حتى يعرف مصدر الخلايا الجذعية المصنعة منها، وطبيعة المواد المضافة في التصنيع، وأثر ذلك على صحة الإنسان