حضور المغرب قمة أبيدجان يعزز علاقته بأفريقيا
استغل الملك محمد السادس القمة الأفريقية الأوروبية لتعزيز علاقات بلاده بدول الاتحاد الأفريقي وخاصة تلك المعروفة بانحيازها لجبهة البوليساريو، وهو ما اعتبره مراقبون سعيا مغربيا إلى خلق ائتلاف كبير لدول أفريقية تؤيد مبادرة بالحكم الذاتي.
يسجل المغرب اختراقات واسعة في علاقاته مع دول الاتحاد الأفريقي سياسيّا واقتصاديّا ودبلوماسيّا على أساس استراتيجية مُحكمة، كان آخرها مشاركة العاهل المغربي الملك محمد السادس في القمة الخامسة للاتحادين الأفريقي والأوروبي بعاصمة الكوت ديفوار أبيدجان رغم حضور جبهة البوليساريو.
وحظي الملك محمد السادس باحتفاء كبار قادة أفريقيا وأوروبا وهو ما عكسه تصدّره للصف الأمامي إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء التقاط صورة جماعية لكل رؤساء الوفود المشاركة. وتقدّم رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى لمصافحة الملك محمد السادس رغم جمود العلاقات بسبب دعم الجزائر للبوليساريو.
ونوّه كلّ من رئيس الاتحاد الأفريقي ألفا كوندي، ورئيس مفوضية الاتحاد، موسى فاكي، بمشاركة الملك محمد السادس في أشغال القمة وبالالتزام الأفريقي للعاهل المغربي وعودته للاتحاد.
وقال صبري الحو الخبير في القانون الدولي لشؤون أفريقيا ونزاع الصحراء، إن حضور المغرب في ملتقيات قارية ومنها القمة الأوروأفريقية بأبيدجان، تحكمه غايات وأهداف أكبر من حرج وجوده بجانب البوليساريو، يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي، يحتل صلبها وجوهرها نزاع الصحراء، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وأكد صبري الحو أن طموح المغرب من خلال مشاركته في أعمال الاتحاد الأفريقي منصبٌّ على ترجيح الكفة الأفريقية لصالحه، وخلق ائتلاف كبير لدول أفريقية تؤيد مبادرته بالحكم الذاتي من داخل الاتحاد الأفريقي، ومحاولة إجراء تغيير في نظرة الاتحاد للنزاع.
وفي خطوة دبلوماسية استباقية استقبل الملك محمد السادس جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا الداعمة لجبهة البوليساريو، حيث اتفقا على “العمل سويا، يدا في يد، من أجل التوجه نحو مستقبل واعد”.
وقال صبري الحو، إن هذه الخطوة المفاجئة تؤكد قدرة المغرب على إذابة الجليد والانفتاح على الخصوم، إذ يتطلع إلى تجاوز مشاكل الحاضر ويؤسس لتطوير العلاقات مع جنوب أفريقيا في المستقبل القريب.
واتفق القائدان على الرفع من التمثيلية الدبلوماسية للبلدين من خلال تعيين سفيرين من مستوى عال بكل من العاصمتين الرباط وبريتوريا، للاتصال المباشر والانطلاق ضمن شراكة اقتصادية وسياسية، من أجل بناء علاقات قوية ودائمة ومستقرة، لتجاوز الوضعية التي ميّزت العلاقات الثنائية لعدة عقود. وحسب صبري الحو، فقد تفطن المغرب وجنوب أفريقيا للفرص التي تم ويتم إهدارها ويصبوهما الطموح لتدارك هذا الجمود في المستقبل.
حضور جبهة البوليساريو يمكن استثماره بشكل إيجابي لبناء تدابير الثقة بدلا من المواجهة التي لا تجدي نفعا
وأكد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي أن مشاركة البوليساريو لن تمثل مشكلة، لأن وفدها يعتبر غير مرئي بالنسبة للمملكة المغربية.
وأوضح بوريطة أنه لا ينبغي السماح للخصوم بالمضيّ قُدما في نظرياتهم، مشددا على أن المغرب سيوضح أسبابه وسيقنع باقي دول الاتحاد الأفريقي بمواقفه.
إلا أن الحو يرى أن حضور البوليساريو يمكن استثماره بشكل إيجابي لبناء تدابير الثقة بدلًا من المواجهة التي لن تجدي نفعًا، ولن تأتي بحل سواء في إطار القبول بالوضع القائم من داخل الاتحاد الإفريقي أو رفضه والسعي إلى تغييره.
وأكد رئيس الكوت ديفوار الحسن واتارا، أن أجندة القمة يجب أن تشكل منعطفا ونقطة انطلاق حقيقية لشراكة استراتيجية بين القارتين الأفريقية والأوروبية، وأنه يتعيّن أن يتم اتخاذ قرارات وجيهة وقوية والعمل بحزم من أجل تحقيق التغيير الضروري لمواجهة التحديات المرتبطة بالبطالة، والحفاظ على السلم والأمن، ومكافحة الإرهاب والتغيرات المناخية.
ودافع الملك محمد السادس على مصالح القارة الأفريقية وطموحاتها والإكراهات التي تواجهها في مجال الأمن والإرهاب والتنمية، وخصوصا ملف الهجرة غير الشرعية الذي أرجع تفاقمه إلى غياب إطار إقليمي مؤسساتي متمثلا في الاتحاد المغاربي.
وشدد العاهل المغربي على أن “الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي تجمّعان إقليميان لا محيد عنهما ولأن كلا منهما يكتسي أهمية خاصة بالنسبة إلى الآخر، فهما بالتالي على نفس القدر من الأهمية”. وتابع “وكما أنهما متساويان أمام التحديات المطروحة، فهما كذلك متساويان أمام الفرص المتاحة لهما، والمسؤوليات المنوطة بهما”.