غياب الاتحاد المغاربي يفاقم أزمة الهجرة إلى أوروبا
الملك محمد السادس يحث على نقاش هادئ لمقاربة قضية الهجرة، ومراقبون يؤكدون أن أوروبا لم تكن جادة في دعم دول جنوب المتوسط.
الملك محمد السادس: الاتحاد المغاربي لا وجود له
عزا الملك محمد السادس تفاقم موجات الهجرة والعجز عن التصدي لها أو استيعابها أوروبيا في جانب منه إلى غياب الاتحاد المغاربي الذي كان يمكن أن يلعب دورا أكثر جدوى للتخفيف من هذه الظاهرة.
وقال الملك محمد السادس في خطابه أمام القمة الأفريقية الأوروبية في العاصمة الإيفوارية أبيدجان “قد كان بمقدور تجمعاتنا الإقليمية التصدي لهذا الوضع، بطريقة أكثر نجاعة وفعالية. وهنا يمكن أن نفكر في الاتحاد المغاربي لو كان موجودا حقا، لكنا أكثر قوة في مواجهة هذا التحدي. ولكن مع كامل الأسف، فالاتحاد المغاربي لا وجود له!”.
وقال متابعون للشأن المغاربي إن الملك محمد السادس لفت نظر القادة الأوروبيين الموجودين في القمة إلى أنه لو كان حائط الصدّ الرئيسي لموجة الهجرة، أي الاتحاد المغاربي، موجودا وقويا ما كنتم تعيشون هذه الأزمة العميقة وتعجزون عن حلها، لافتين إلى أن كلمة العاهل المغربي فيها نوع من العتاب وتحميل المسؤولية لأوروبا على عدم دعم الاتحاد المغاربي.
يشار إلى أن الدول الأوروبية تراجع حماسها بشكل كبير لفكرة دعم اتحاد مغاربي يكون مسؤولا عن صد موجات الهجرة مقابل وعود دعم اقتصادي ومالي، من بوابة تفعيل الاتحاد المتوسطي، لكن كل تلك المحاولات سقطت مع احتجاجات 2011 وما انتهت إليه من فوضى أمنية وتفكك الدور الرقابي لتونس وليبيا على موجات الهجرة.
ويعتقد مسؤولون في الدول المغاربية أن أوروبا كانت مساعداتها محدودة ومشروطة قبل 2011، ما حال دون دول مثل تونس على القيام بإصلاحات ضرورية تحول دون الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وتتهم دول أوروبية مركزية، وخاصة فرنسا، بأنها لم تتخل فقط عن بن علي، بل ساعدت على الإطاحة بالعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ما فتح أبواب البلدين على الفوضى وتراجع تأثير الدولة، وهو ما استثمرته شبكات الهجرة السرية للدفع بالآلاف من المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا التي استفاقت على هول النتائج التي خلفها خروج بن علي ومقتل القذافي وسقوط حكمهما.
ويقول هؤلاء المسؤولون إن أوروبا لم تكن جادة في توفير ضمانات نجاح الاتحاد من أجل المتوسط، وإنها بحثت عن إلزام دول الجنوب على حماية أمنها دون أن تفهم أن الشراكة منافع متبادلة، وأن الأمن الأوروبي لا يتحقق دون تقوية الاتحاد المغاربي كتجمع إقليمي.
وحث الملك محمد السادس في خطابه على “وضع تصور جديد لمسألة الهجرة، من خلال التعاطي معها كموضوع قابل للنقاش الهادئ والرصين، وكحافز على الحوار البناء والمثمر”.
وقال “في سبعينات القرن الماضي، كان البعض من الشباب المغاربة المفعمين بروح المودة والانفتاح، يقصدون أوروبا للمشاركة في مواسم جني العنب، أو للمساعدة في الحقول. واليوم، فقد أصبحت هذه التنقلات ضربا من ضروب الخيال!”.
وأضاف “قد شهدت السنوات العشر الماضية، توافد عدد من الأوروبيين إلى المغرب للاستقرار به، حاملين معهم خبراتهم ومهاراتهم لتوظيفها في إنشاء مقاولات صغيرة ومتوسطة محليا، وتوفير مناصب الشغل”.
واعتبر مراقبون متخصصون في قضايا الهجرة أن أوروبا يجب أن تكف عن مطالبة دول جنوب المتوسط بلعب دور الحارس دون أن تقدم لها الدعم الكافي الذي يسمح لها بتنشيط اقتصادها لتكون قادرة على توفير مواطن العمل للآلاف من العاطلين عن العمل، مشيرين إلى أن هذا التراخي الأوروبي كان وراء فشل الدول المغاربية في منع موجات الهجرة من أبنائها إلى أوروبا.
ويرى المراقبون أن اكتفاء أوروبا بتحميل دول جنوب المتوسط العجز عن وقف موجة الهجرات المتتالية لا يحل المشكلة، وعلى العكس فإن تأخر الدعم الاقتصادي والأمني سيعطي الفرصة الكافية لشبكات التهريب لتتحرك بحرية، وأنها قد لا تكتفي بتهريب القادمين من أفريقيا بل قد يفاجأ المسؤولون الأوروبيون بتسلل عناصر إرهابية وأسلحة انطلاقا من سواحل ليبيا وتونس.
وحذروا من أن تحويل النظر عن المشكلة الرئيسية بالتركيز على قضية العبيد، والتلويح بالتدخل الخاطف لإجلاء الآلاف من المهاجرين الأفارقة من ليبيا، أو الضغط على حكومة الوفاق الوطني لتولي مكافحة شبكات التهريب بدل استثمار جهدها في توفير ضمانات نجاح الحوار والانتقال السياسي في ليبيا، قد يفاقم الأزمة ولا يحلها.
واتهمت شخصيات ليبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باستثمار أزمة الاتجار بالبشر، وهي ظاهرة محدودة ومصطنعة، لتقوية علاقاته مع أفريقيا على حساب ليبيا وأمنها.