المغرب يخلط أوراق الخصوم في قمة أبيدجان
مشاركة الملك محمد السادس في قمة أبيدجان تحمل رسالة مهمة لخصوم المغرب، وحضور البوليساريو الانفصالية يتقزم إقليميا ودوليا.
علاقات مغربية خارجية قائمة على احترام وحدة التراب الوطني
أربكت مشاركة الملك محمد السادس في أشغال الدورة الخامسة لقمة الاتحاد الأفريقي- الاتحاد الأوروبي التي تنعقد في العاصمة الإيفوارية أبيدجان الأربعاء والخميس، محور الخصوم وعلى رأسهم الجزائر، وهو محور كان يتوقع أن يلغي المغرب حضوره في قمة متعددة الأطراف بما يسمح لجبهة البوليساريو بمحاولة التحرك والبحث عن مشروعية فقدتها بعد نجاح استراتيجية الرباط في بناء علاقاتها الخارجية على قاعدة وحدة ترابها الوطني.
وقال محللون سياسيون إن المغرب الذي نجح في بناء علاقات اقتصادية متطورة مع أغلب البلدان المشاركة في القمة لا يمكن أن يترك أي مجال مستقبلي للبوليساريو للتحرك والبحث عن الاعتراف بعد أن ضيّق عليها الخناق هي وحلفاؤها أفريقيا وأوروبيا.
وأكد مصدر حكومي مغربي أن الحديث عن مقاطعة الرباط لقمة بهذا المستوى “نقاش في غير محله” لأن “الحضور في اجتماع متعدد الأطراف لا يعني أبدا اعترافا بالانفصاليين”.
وأضاف المصدر أنه مع تمسك المغرب بأهدافه في ملف الصحراء، فإنه لم يعد إلى الاتحاد الأفريقي لعرقلة (عمل) المنظمة بل للمساهمة في البرنامج الأفريقي للتنمية.
وأشار باحثون في العلاقات الدولية إلى أنه بعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي يكون قد قطع مع سياسة الكرسي الفارغ التي اعتمدها في القرن الماضي وأدت إلى انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية، مبرزين أن معركة المغرب الاستراتيجية مع خصومه تتطلب حرصه على الوجود المستمر في المنتديات القارية والدولية متعددة الأطراف للدفاع عن مصالحه عن قرب والدفع بأحقيته التاريخية والقانونية في الصحراء المغربية.
وقال نوفل بوعمري، المحامي والخبير في ملف الصحراء، في تصريح لـه، إن القمة هي بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وليس بين الدول حتى يمكن القول إن حضور الجبهة اعتراف بها.
وانضمت الرباط مجددا في يناير الماضي إلى الاتحاد الأفريقي بعد غياب استمر 33 عاما احتجاجا على قبول عضوية البوليساريو.
وأكد شرقي خطري، المدير التنفيذي لمركز الجنوب للدراسات والأبحاث، أن مشاركة الملك محمد السادس بعثت برسالة مهمة، وهي أن عهد الصمت وعدم الإدلاء بأي موقف رسمي تجاه قضايا المغرب ومحيطه الأفريقي قد ولّى.
وأضاف خطري أن هذه القمة تعد مرحلة فاصلة بين حقبتين مهمتين ما قبل قمة أديس أبابا وما بعدها، وما تركته من مصوغات على مستوى حضور المغرب في مؤسسات الاتحاد الأفريقي، وأن هذه المشاركة تؤكد على دوره المحوري والأساسي في أفريقيا، وهي فرصة إضافية لتطويق المحور المعادي لتوجهاته وخياراته الوطنية.
وتوضح عدة تقارير صحافية واستخبارية أن حضور البوليساريو بدأ يتقزم دوليا وإقليميا وأضحى محط تساؤل في كل محطة يعيشها الاتحاد الأفريقي.
وأكد بوعمري أن المغرب يسير بثبات كقاطرة دبلوماسية واقتصادية تربط أفريقيا بأوروبا، وستنجح المملكة عاجلا أم آجلا في مرحلة تجميد عضوية الجبهة الانفصالية.
وحل العاهل المغربي الأحد بأبيدجان مبددا كل التكهنات المجانبة للواقع في أن حضور البوليساريو سيمنع حضور المغرب.
وأبرز وزير الاندماج الأفريقي والمغتربين الإيفواريين في الخارج، آلي كوليبالي، أن “حضور الملك محمد السادس بأبيدجان يمنح وهجا خاصا لقمة الاتحاد الأفريقي-الاتحاد الأوروبي”.
وأكدت فيديريكا موغيريني، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي المكلفة بالشؤون الخارجية وسياسة الأمن، بأن المغرب شريك أساسي للاتحاد الأوروبي والذي طور معه شراكة مستدامة وثمينة خلال سنوات عديدة، موضحة أن مشاركة جبهة البوليساريو في الاجتماع لا تغير موقفنا من الصحراء بأي شكل من الأشكال.
وشددت كاثرين ري، المتحدثة باسم اللجنة الأوروبية، من جانبها على أن موقف الاتحاد الأوروبي ثابت بخصوص البوليساريو وأن “المشاركة في القمة الأفريقية الأوروبية، ومثل أي حدث عالمي من هذا النوع، لن تشكل تغييرا في موقف الاتحاد الأوروبي المتمثل في عدم الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.
ووزعت الخارجية المغربية، في 15 نونبر، مقتطفات من مؤتمر صحافي للمفوضية الأوروبية اعتبر فيه متحدث أن “أي مشاركة في هذه القمة، لا تشكل تغييرا لموقف الاتحاد الأوروبي لجهة عدم الاعتراف بالبوليساريو”.
وقال خطري إن حضور المغرب للقمة الأفريقية الأوروبية يعبر عن سياسة واقعية تم تدشينها منذ قمة جوهانسبرغ مرورا بقمة كيغالي، ثم أديس أبابا حول العودة إلى الاتحاد الأفريقي بقواعد وآليات وأساليب قائمة على محاور عدة تهم مجالات التعاون بين البلدان الأفريقية والمغرب من جهة، والمغرب وباقي دول العالم كبوابة نحو أفريقيا من جهة أخرى.
وأضاف أن تواجد المغرب على أعلى مستوى يوضح المكانة التي أضحى يحتلها على مستوى أجهزة الاتحاد الأفريقي وهذا ما لمسناه، سواء في القمة اليابانية الأفريقية، أو القمة الخليجية الأفريقية والصينية.