قمة «الشراكة الشرقية» في بروكسل تنزع فتيل القضايا الخلافية
يسعى قادة الاتحاد الأوروبي إلى ترسيخ “الشراكة” مع ست دول من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا عبر عقد اجتماعات مكثفة في بروكسل، مع تفادي المواضيع الخلافية مثل النزاع في أوكرانيا وعدم وجود ضمانات لانضمام هذه البلدان إلى التكتل. فقد ذكرت تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية فور وصولها إلى بروكسل أنه “يجب أن نفتح أعيننا على تصرفات دول معادية مثل روسيا التي تهدد النمو المحتمل لشركائنا وتحاول تدمير قوانا مجتمعة”. والموضوعان الرئيسيان الحاضران الغائبان عن اجتماع “الشراكة الشرقية” سيكونان روسيا وهيمنتها على الدول التي تعتبر أنها ضمن “دائرة نفوذها”، ومخاوف العواصم الأوروبية حيال التدخلات الروسية في عملياتها الانتخابية. ويردد المسؤولون في بروكسل أن القمة التي تعقد بين رؤساء دول وحكومات بلدان الاتحاد الأوروبي الـ 28 وأوكرانيا ومولدافيا وجورجيا وبيلاروسيا وأرمينيا وأذربيجان، ليست “موجهة ضد أي بلد”. وقال فلاديمير ماكي وزير خارجية بيلاروسيا: “نحن ضد هذه المواجهات. تقع بيلاروسيا بين فكي كماشة، روسيا من جهة، والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. إنهما متنافسان لسوء الحظ ونود الابتعاد عن خطاب المواجهة”، داعيا إلى “توحيد قوانا لتجاوزهما”. وحاول كزافييه بيتل رئيس وزراء لوكسمبورج الطمأنة قائلا: “هذا ليس المكان المناسب لحل النزاعات، والاختيار بين أوروبا وطرف آخر”، لكن في مؤشر إلى حذرهم الشديد وصعوبة التوصل إلى اتفاق بينهم حول المواضيع الخلافية، فإن النص الختامي للقمة لن يتضمن أي ذكر للنزاع الذي بدأه انفصاليون موالون لروسيا في أوكرانيا وأوقع أكثر من عشرة آلاف قتيل منذ 2014. ولم يأت البيان الختامي كذلك على ذكر ضم روسيا للقرم، في خطوة أثارت تنديدا شديدا من الاتحاد الأوروبي خلال القمة الأخيرة للشراكة الشرقية في ريجا عام 2015، ويكتفي النص بالدعوة إلى تجديد الجهود للتشجيع على تسوية سلمية للنزاعات في المنطقة. من جهتها، أعلنت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية أنها ستلتقي نظيرها الأوكراني بترو بوروشينكو “لمعرفة ما إذا كنا نستطيع أن نحرز تقدما صغيرا” في تنفيذ اتفاقيات مينسك التي من المفترض أن تؤسس وقفا لإطلاق النار في شرق أوكرانيا، مشيرة إلى أن “الشراكة الشرقية مهمة جدا بالنسبة لأمننا”. وأكد دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي أن الاتحاد الأوروبي لن يعترف أبدا بضم روسيا غير القانوني للقرم”، وخلافا لعام 2015، فقد تفادى البيان الإشارة تحديدا إلى النزاعات الانفصالية الكثيرة في دول الاتحاد السوفياتي سابقا التي يندد الغربيون بتدخل روسي فيها، ولا سيما بين أرمينيا وأذربيجان في ناغورني قره باغ، وبين جورجيا والانفصاليين الموالين لروسيا الذين انشقوا وأعلنوا جمهوريتين، وفي منطقة ترانسنيستريا في مولدافيا. وشدد مسؤول أوروبي كبير ـــ طلب عدم الكشف عن هويته ـــ على أن “قمة الشراكة الشرقية ليس أداة لتسوية النزاعات، بل أداة لمناقشة كيفية تطوير شراكتنا وتثبيتها”. وفضل الاتحاد الأوروبي هذه المرة التركيز على قائمة من عشرين “مكسبا ملموسا للمواطنين” يعد بدعمها، مطالبا في الوقت نفسه شركاءه من الجمهوريات السوفياتية السابقة بتشديد مكافحة الفساد والمزيد من الديمقراطية وقضاء أكثر استقلالية. وتعهد إدوار فيليب رئيس الوزراء الفرنسي بمواصلة “الالتزام بتمكين التنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد وتحسين الحوكمة وكل المجالات التي تم احراز تقدم فيها التي نريد مواصلة العمل فيها مع شركائنا”. لكن الاتحاد الأوروبي لا يعتزم إعطاء أدنى تعهد بشأن انضمام قريب لهذه الدول، رغم التطلعات الكبرى لدى بعضها مثل أوكرانيا وجورجيا، وأبدت هولندا بصورة خاصة رفضا قاطعا بهذا الشأن، بعدما رفض مواطنوها اتفاق شراكة للاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا في استفتاء نظم عام 2016. وبدوره، شدد جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية على أن هذه القمة ليست “للتوسع أو الانضمام”، ووافقه الرأى كزافييه بيتل رئيس وزراء لوكسمبورج الذي أكد أن هذه ليست اللحظة المناسبة، فلدينا بريكست وعلينا حل المشاكل داخل الاتحاد الأوروبي. إلى ذلك، حضت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الاتحاد الأوروبي على “اتخاذ خطوات إلى الأمام” جنبا إلى جنب مع بريطانيا في وقت يأمل قادة التكتل بأن تتقدم بتسوية من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن بريكست في كانون الأول (ديسمبر). وازداد تململ دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتلبية بريطانيا لشروطها فيما ارتفع منسوب القلق حيال مدى قدرة حكومة ماي على القيام بذلك حتى لو أرادت. وأشارت تقارير إلى أن لندن ستضاعف عرضها لتسوية التزاماتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي من 20 إلى 40 مليار يورو، إلا أن بروكسل أصرت حتى الآن على أن الرقم الحقيقي يجب أن يكون أقرب إلى 60 مليارا.