المهرجانات العربية.. تبديد لثروات الشعوب أم استثمار في طاقاتها


‎استسهال البعض في تنظيم المهرجانات يقود إلى التكاثر والتخمة دون ضابط ولا إستراتيجية واضحة قادرة على بلوغ الهدف في ترسيخ ثقافة الاختلاف.

‎مهرجان موازين بالمغرب استقطب كبار الفنانين العالميين
‎كثرة الأسواق لا تعني وفرة البضائع وجودتها.. كذلك هي المهرجانات الفنية التي تنتشر في العالم العربي وتتكاثر، فهل هي حالة صحية يمكن لها أن تكون مؤشرا إيجابيا يستند على مبدأ “الكم يصنع الكيف” والمنافسة تحرض على الجودة، أم أن الأمر مجرد جعجعة تطحن المكرر، تسوّق الرديء وتنشغل بغايات أخرى عكس ما تقوله وتدعيه يافطاتها وشعاراتها؟
‎يرى نقاد ومتابعون للشأن الإبداعي في العالم العربي أنّ المهرجانات تتكاثر وتنتشر وتتنافس، ليس فقط بين البلدان العربية بل وحتى داخل البلد الواحد، في الوقت الذي تشهد فيه شتى المجالات الفنية تراجعا خطيرا في الإنتاج والنوعية، فباستثناء عدد نادر من الأفلام والمسرحيات والأغاني وغيرها من المنتجات الفنية، وحتى الزراعية والصناعية والسياحية، التي تظهر بين الحين والآخر، تسيطر موجة من رداءة لا حدود لها، فهل وجدت المهرجانات كي تحتفي بالرداءة وتكرسها أم أن العناوين مضللة دائما؟
‎الذين ينظرون إلى الأمر من وجهة معاكسة ويستبشرون بالنصف الملآن من الكأس، يرون في المهرجانات والاحتفاليات وغيرها من التظاهرات، عادة حميدة وتقليدا أصيلا يجب دعمه وتكريسه أسوة بالأمم المتقدمة التي تحتفي بروح الابتكار ومشروعية التنافس وجمالية اللقاء، ذلك أن الإنسان كائن احتفالي بطبعه، وما هذا الوجود الكريم إلا “مهرجان دائم” من تكريم الإنسان لإنسانيته وذهابه نحو الآخر في التأكيد على حتمية التلاقي ونبذ كل أشكال الفرقة والانعزال.
‎وماذا عن الأموال التي تنفق من الخزينة العامة، أي من أموال الشعب، على احتفاليات هي بمثابة تبييض أموال من طرف جهات فاسدة لا هم لها إلا الثراء الفاحش أما التقدم والإبداع والثقافة فهي تسميات لمسميات غير موجودة في قواميسها، وليست إقامة المهرجانات سوى ذريعة للمزيد من النهب والسرقة وإثقال كاهل الشعوب الدافعة لضريبتين: ضريبة الاقتطاع من خبز أطفالها، وضريبة تحمل القبح والسماجة باسم الفن والإبداع.
‎لا شك أن الهوس بإقامة مهرجان للسينما مثلا، لا يحركه بالمقابل هوس وتعلق بالسينما، بدليل أن بلدانا عربية كثيرة ليس في إنتاجها أكثر من أفلام لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك تقيم المهرجانات والأعراس السينمائية المبهرة.
‎وفي هذا الشأن يقول الناقد والصحافي السوري حكم البابا “ولو أضفنا إلى هذه المهرجانات التي تنظم بشكل سنوي التظاهرات والأسابيع السينمائية التي تقام هنا وهناك شهريا في أغلب البلدان العربية، فستكون الحصيلة من وجهة نظر المتابع الغريب عن العالم العربي وأحوال سينماه أننا شعوب تتناول إفطارها في مواقع التصوير، وغداءها في غرف المونتاج والمكساج، وعشاءها على مقاعد صالات السينما، وأن هوسنا بالسينما يتجاوز هوس البرازيليين بكرة القدم“.
‎العرب قوم يشتكون من الوفرة كما يشتكون من الندرة، وينطبق على بعض المتذمرين والمنتقدين منهم لكثرة المهرجانات المثل الشامي القائل “احترنا يا أقرع من وين بدنا نبوسك”. أليس من الطبيعي بل من المفروض أن يقام مهرجان للشعر، كما للتمر، في السعودية والعراق وموريتانيا وتونس، وأين الغرابة أن يقام مهرجان في بعلبك وجرش وقرطاج.. هل تترك هذه المدرجات والأعمدة للريح والغربان؟
‎أمر عادي وأقل من عادي أن يحتفل بالمسرح والغناء والموسيقى والسينما في مصر، بلد يوسف وهبي وسيد درويش ومحمد عبدالوهاب وشادي عبدالسلام ويوسف شاهين.
‎أين الغرابة في أن تستثمر دولة مثل الإمارات العربية المتحدة في الفن والثقافة وهي التي أدهشت العالم بمبادراتها الرائدة وصروحها المعمارية واستقدمت نفائس الإبداع من مختلف أصقاع العالم؟
‎المهرجانات، مثلها مثل بقية النشاطات البشرية والحضارية، تضمر الصالح والطالح، تتحمل الربح والخسارة، يرفع من شأنها الأخيار ويسيء إليها الأشرار، تصرف فيها الأموال النظيفة كما تبيض فيها الأموال المتسخة، تنفع وتسيء من حيث تقصد ومن حيث لا تقصد، لكن الأهم من ذلك كله هو كيفية إدارتها وتوظيفها لأن الأمر يتعلق بالنوايا قبل الحكم على ظاهر الأشياء.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: