الثابت والمتغير في زيارة الملك محمد السادس لدول الخليج
المغرب يعرف تماما ما يريد فعله لتوطيد علاقاته الدولية من منطلق رابح- رابح وبحسابات متوازنة، ودون تدخل سافر في الشؤون الداخلية للدول حتى وأن كانت تجمعه بها علاقات متميزة.
لا مجال للصدفة في تحرّكات العاهل المغربي الملك محمد السادس ولا في قراراته المتعلقة بالأمن القومي للمملكة المغربية. كل الخطوات محسوبة وكافة القرارات تخضع لسلسلة من المداولات والمناقشات المستفيضة، بناء على معطيات مضبوطة ومعلومات تشمل كافة المتغيرات والمجالات المرتبطة بموضوع القرار.
بالنتيجة ليس صدفة تزامن إطلاق قمر اصطناعي مغربي لأغراض عسكرية ومدنية مع خطاب ملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء في 6 نوفمبر الجاري، جدّد فيه العاهل المغربي التأكيد على وحدة المغرب الترابية، ليشد الرحال بعدها مباشرة إلى الخليج لافتتاح “متحف الصحراء والضوء” بأبوظبي، بمعية كبار المسؤولين الإماراتيين وبتواجد ملك البحرين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
الواضح أن المملكة المغربية تتحرك في محيط جيوسياسي غاية في الخطورة ويطبعه عدم اليقين، فحضور الملك المغربي إلى جانب الرئيس الفرنسي ومسؤولين كبار من دولة الإمارات العربية المتحدة وملك البحرين مؤشر قوي على أن هناك مباحثات على أعلى مستوى تشمل ملفات الأمن والاقتصاد والسياسة.
فما تواجهه المنطقة من تحديات دقيقة، إلى جانب التهديدات التي تحيط بالخليج العربي كدول تعمل على حماية أمنها القومي من ارتدادات فوضى تمرّ بها المنطقة تشمل طيفا من دول فاشلة وأخرى تريد الاستفراد بالقرار الإقليمي. في هذه الظروف لا يمكن فصل القرار المغربي في ما يخص أمنه القومي عما تمرّ به دول الشرق الأوسط ومنها الخليج العربي. فالأزمة التي اندلعت بين قطر والدول الخليجية الأخرى فرضت على المغرب أن يقدّم مقترحاته لتسوية العالق في علاقات الإخوة الذين لا تريد المملكة أن يصبحوا أعداء لاعتبارات التاريخ والثقافة والدين والمصير المشترك.
فالمغرب يعرف أن هناك تهديدات تهم استقرار المنطقة. وهو ما أشار إليه الملك محمد السادس في افتتاح القمة المغربية الخليجية في 20 أبريل 2016 بالرياض، بتنبيهه إلى المخططات المشبوهة التي تهدّد أمن وسلامة المغرب وبلدان الخليج.
وهنا تتوضح الرؤية الاستراتيجية للمغرب وتصوّره البعيد المدى للأمن القومي المشترك مع الدول الخليجية.
الترتيبات الداخلية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية على نظامها تصبّ في خانة التفاعل مع هذا المعطى ومع التغيرات المتسارعة على المستوى الاقليمي والدولي. فترتيب البيت الداخلي أصبح ضرورة ملحّة بالمنطق السياسي والأمني حماية للتركيبة الديمغرافية للسعوديين ودرءا للأخطار المحدقة بالمملكة.
لهذا وذاك نجد أن المغرب يقوم بأدواره بالمساهمة الفعّالة على كافة المستويات لكي يبقى البيت الخليجي موحدا، وفي منأى عن مخططات التفتيت التي تم تفعيل جزئها الأول في العام 2011، تحت يافطة التمكين الحقوقي والديمقراطي لشعوب المنطقة، وإدخالها بالضرورة في نطاق الفوضى الخلاّقة التي نادت بها وساهمت في تمريرها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس.
تموقع المملكة المغربية إقليميّا ودوليّا وتشابك علاقاته يأتي ضمن خطط محكمة لتجاوز كل السلبيات التي أفرزتها تلك الفوضى التي أطلت برأسها برعاية الإدارة الأميركية منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001. ومنها ما يحدث في سوريا وليبيا والعراق واليمن التي أصبحت دولا فاشلة.
ولهذا يأتي تحرّك الملك محمد السادس هادفا للوقوف على ما يحدث داخل البيت الخليجي، فهو يعتبر رقما محوريا في صدّ أي تهديد لتماسك أركان ذلك البيت. وهذا تأكيد على أعلى مستوى على أن المغرب لن يبقى بمنأى عن الاضطرابات التي تعرفها المنطقة الممتدة من شمال أفريقيا مرورا بالساحل والصحراء، وصولا إلى الشرق الأوسط.
فتشديد العاهل المغربي في خطابه بالرياض في العام الماضي على أن “المغرب ليس محمية تابعة لأي بلد”، يؤشر بالواضح على أن القرارات التي يتخذها سواء في اتجاه أفريقيا أو الخليج أو غيرهما من الدول تحكمها استراتيجية بعيدة المدى عنوانها حماية الأمن القومي من أي تهديدات واقعية أو محتملة.
بالعودة إلى إطلاق المغرب لأول قمر اصطناعي أطلق عليه اسم “محمد السادس أ” نرى أنه يتماشى مع استراتيجية المغرب في استثمار كل الموارد المادية والمعرفية واللوجستية وبدعم من العلاقات الدولية والشخصية، وذلك بهدف امتلاك قاعدة معلومات متنوعة مدنيّا وعسكريّا يمكن استخدامها لتدعيم دوره الإقليمي والجهوي والدولي في الدفاع عن استقرار المنطقة، وتأمين مصالحه المرتبطة بالضرورة بشراكة استراتيجية مع دول الخليج.
وبهذا التوجّه يعرف المغرب تماما ما يريد فعله لتوطيد علاقاته الدولية من منطلق رابح- رابح وبحسابات متوازنة، ودون تدخل سافر في الشؤون الداخلية للدول حتى وأن كانت تجمعه بها علاقات متميزة.
وبمناسبة الزيارة التي يقوم بها الملك محمد السادس لدول الخليج واجتماعه بمسؤوليها الكبار لا بد من استحضار خطابه في قمة الرياض الماضية، وتأكيده على “أننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي. فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى تحليل. إنهم يريدون المس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية”.
والثابت أن التهديدات والمؤامرات لا زالت سارية إلى الآن، ونرى أن استغلال إيران لما يحدث بالمنطقة، ومساهمتها الكبيرة في هتك الأمن القومي لدول مهمة بالشرق الأوسط كالعراق وسوريا واليمن وإلحاقها بالدول الفاشلة، استدعى حضور المغرب لمواجهة طموح طهران لتسيّد المشهد الإقليمي والذي لن يبقى حبيس دول المنطقة بل يتسرّب إلى شمال أفريقيا والبعض من دول غـرب أفريقيا.
إنضاج القرار السياسي المغربي على نار هادئة يؤدي إلى نتائج محسوبة سلفا دون احتساب البعض من الهوامش السلبية التي لن تؤثر في البعد السياسي والاقتصادي للرؤية الاستراتيجية لصنّاع القرار، وهو بعد ربط قضية الوحدة الترابية للمملكة باستقرار الأوضاع بدول الخليج.
وهو يدافع عن قضية الوحدة الترابية لبلاده فقد حدّد العاهل المغربي في خطاب المسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر 2017 ثوابت لا يمكن التنازل عنها تحت أي ظرف، وصاغها في نقطة أساسية ومحورية تتمثل في أنه لا لأي حل لقضية الصحراء المغربية خارج سيادة المغرب وضمن الهوية المتعددة والثقافة المتنوعة للمغاربة.
بالنهاية نقول إن تواجد العاهل المغربي بالخليج مباشرة بعد حدثين مهمين، هما ذكرى المسيرة الخضراء وإطلاق أول قمر اصطناعي مغربي، يدخل في نطاق تأمين محدّدات الأمن القومي المغربي الذي ربطه الملك بما يحدث بتلك المنطقة وهو ما أكده الملك بقوله إن “المغرب يعتبر دائما أمن واستقرار دول الخليج العربي، من أمن المغرب. ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم