المغرب يفتح ورشة كبيرة لإعادة هيكلة النموذج التنموي
يجمع المحللون على أن النموذج التنموي المغربي بات في حاجة لنفس جديد يعطي فرصا متكافئة لكافة الجهات ضمن رؤية شاملة لتحفيز النمو، لا سيما مع حرص الملك محمد السادس على إدخال بلاده في حقبة جديدة من النشاط الاقتصادي ذي المردود العالي.
الرباط – تفتح الحكومة المغربية ورشة عمل كبيرة لإصلاح النموذج التنموي الحالي الأسبوع المقبل، وفق رؤية الملك محمد السادس التي تتماشى مع التغيرات والظروف التي تمر بها البلاد.
ويراهن العاهل المغربي على المواطنين باعتبارهم الحلقة المحورية في الاقتصاد، إلى جانب تجديد الروح في القطاع العام ودعم القطاع الخاص وتعزيز الشراكة بينهما لتنمية الثروة.
ويعتقد محمد ياوحي أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن تطوير النموذج التنموي الحالي يشكل قاعدة صلبة للنموذج المستقبلي.
وقال في تصريح لـه إن “الاهتمام بمصالح الفئات الشعبية المهمشة كالمزارعين والحرفيين والعاملين في قطاع السياحة، وإدماج المقاولات الصغيرة والمتوسطة في قطاع المناولة الصناعية والخدماتية يعدان ركيزة أساسية في هذا النموذج”.
وشدد على أن تحسين جودة التكوين والتكوين المهني للملاءمة مع متطلبات سوق العمل يعتبر المحور الأساسي في هذه الاستراتيجية.
وكان الملك محمد السادس قد حث الحكومة الأسبوع الماضي في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية على إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي.
وأعرب عن تطلعه إلى نموذج يعالج نقاط الضعف والاختلالات التي ظهرت خلال السنوات الماضية. وقال إن “النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي”.
واعترف رئيس الحكومة سعدالدين العثماني بأن النموذج التنموي الحالي يعطي نسبة نمو متواضعة وغير مستدامة ولا توفر فرص عمل وافرة، كما أن هذه النسبة لم تواكبها عدالة على مستوى الفئات والجهات.
وأكد خلال ملتقى حول “التحديات السياسية والرهانات الاقتصادية” الأربعاء أن النموذج التنموي الذي اعتمده المغرب أصبح في حاجة إلى تطوير وتجديد، رغم التقدم الملموس الذي حققه على المستوى التنموي.
وقال إن “هناك حاجة لإعطاء دفعة لهذا النموذج الذي وصل إلى حدوده كما أكد على ذلك الملك محمد السادس خلال افتتاحه للدورة التشريعية”.
وكشف أنه تم إنجاز دراسة بخصوص النموذج التنموي حددت النقائص التي يعاني منها والاختلالات التي حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة منه، كما تم تشكيل لجنة ستنكب على سبل تجاوز هذه النقائص.
وشدد على أن الحكومة ستجعل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أحد مرتكزات عملها، لإرادة وتطوير الشأن العام في كافة مستوياته، ولا سيما القطاعات التي تحتاج إلى تدخل خاص ومستعجل.
ومن المتوقع أن تشمل موازنة 2018 إجراءات وتدابير جديدة لإعطاء دفعة قوية للاقتصاد المحلي الذي تعاني فيه بعض القطاعات من مشاكل كالزراعة بسبب نقص الأمطار للعام الثالث على التوالي.
وينظر البرلمان حاليا في مشروع قانون الموازنة الجديد بعد أن صادقت عليه الحكومة الثلاثاء الماضي.
وخصص مشروع القانون موارد مالية وفرص عمل للقطاعات الإستراتيجية، خصوصا في قطاعي التعليم والصحة، كما يرتكز أساسا على دعم القطاعات الاجتماعية وتسريع مسار الإصلاحات.
وسيبلغ عدد فرص العمل نحو 19 ألف وظيفة، بالإضافة إلى 20 ألف وظيفة بالتعاقد في قطاع التعليم، الذي سيبلغ العاملون فيه، في إطار التعاقد، حوالي 55 ألفا بحلول 2020.
وفي ما يتعلق بالاعتمادات المالية الموجهة لقطاع التعليم فتبلغ نحو 6.26 مليار دولار أي بزيادة 530 مليون دولار عن العام الحالي.
ويؤكد ياوحي أن أمام الحكومة مهمة شاقة قبل بلوغ الأهداف، إذ أن من أولوياتها معالجة الاختلالات الاجتماعية والبنيوية التي يعرفها اقتصاد المغرب مع إعطاء متنفس جديد يدمج المقاربة التشاركية والبعد الجهوي في المنظومة الاقتصادية الجديدة.
واعتبر الخبير المغربي أن إعادة هيكلة النموذج التنموي ستتيح ربح عوائد ضريبية إضافية لخزينة الدولة من الأنشطة غير المهيكلة والتي تطغى على الأنشطة الإنتاجية، كما ستسهم في تعزيز البعد الاجتماعي للنموذج الجديد الذي يريد الملك محمد السادس تطبيقه.
وأظهر مشروع الموازنة أن الرباط تتوقع تراجع معدل النمو إلى نحو 3.2 بالمئة خلال السنة المقبلة مقارنة مع 4.8 بالمئة في السنة الحالية، مع عجز بنحو ثلاثة بالمئة.
وتبدو هذه التوقعات متفائلة قياسا بتوقعات البنك الدولي التي أصدرها في وقت سابق الشهر الجاري بأن يحقق الاقتصاد نموا بنحو 4.1 بالمئة هذا العام، أي بزيادة بواقع 0.3 بالمئة مقارنة مع توقعاته في يونيو الماضي، بفضل انتعاش القطاع الزراعي.
ووفقا لتقرير حديث للبنك الأفريقي للتنمية، فقد ساهم الطلب الداخلي والاستثمارات العامة في مجال البنية التحتية في دعم النمو بالبلاد، حيث أوصى خبراء البنك بضرورة أن تظل إنتاجية هذه الاستثمارات، التي تعد مهمة بالنسبة للنمو المستدام، أولوية سياسية.
ويقول ياوحي إن محرك التنمية لأي قطاع هو الطلب الداخلي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل توزيع عادل للثروة ودعم للفئات المهمشة من المجتمع وعلى رأسها الفئة التي تضم الشباب.