في العلاقات الزوجية، كلنا مظلومون
في الخلافات يظن كل طرف أنه مظلوم، حسب تقديره الشخصي لفكرة الظلم، وحسب حساسيته وقدرته على الاستيعاب والتسامح. فإذا انتظر كل ‘مظلوم’ مبادرة ‘الظالم’ توقف العالم وانتهت الحياة، لأنه ببساطة، لا أحد يرى نفسه ظالما.
يتدخل الأصدقاء والمعارف والعائلة وأحيانا الجيران لحل المشاكل العائلية والزوجية بين الأزواج، وهو سلوك حميد مبني على مقولات وأحاديث كثيرة مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الصلح خير، ومن أصلح بين رأسين جازت له الجنة، وغيرها كثير.
يأتي تدخل الأطراف الخارجية عادة بعد التجاء أحد الطرفين لطلب المساعدة أو لمجرد الشكوى و”تفريغ القلب”، وأحيانا بدافع شخصي بحت.
تتكرر العملية عدة مرات في ما يشبه السيناريو المقرر: يتعارك الزوجان فيشتكي أحدهما أو كلاهما لصديق أو صديقة أو أي طرف خارجي فيتدخل الطرف بينهما بالحسنى ليوصل كلام هذا إلى ذاك ويسوّي العالق بينهما من خلافات ويوضح نقاط الخلاف وفق الرواية التي تسرد عليه من الطرفين كل حسب زاوية نظره وموقفه.
يتعود الطرفان على هذه الطريقة التي توفر عليهما الكثير من التنازلات، ففي حالة النزاع، يدخل الطرفان في شد وجذب وعناد، ويصبح التحدي الأكبر هو من يتنازل قبل الآخر. وطريقة كهذه يمكنها أن تجنبهما الإحراج وتحفظ ماء الوجه والكرامة، وفِي الوقت نفسه تعيد المياه إلى مجاريها والأحبة إلى أحضان بعضهم.
ربما يكون لهذه الطريقة بعض الإيجابيات، وفِي مقدمتها، وجود شخص في حياتنا قادر على كسب ثقتنا للحد الذي نسرّ له بمشاكلنا وهمومنا. هذا جيد، إذا توقفت الأمور عند هذا الحد. لكن لتدخل أطراف خارجية داخل نزاع زوجي أو عائلي وإن كان بنوايا حسنة، مساوئ كثيرة من بينها مثلا: أن الأطراف المتنازعة تستسهل هذه الطريقة فلا تسعى بنفسها إلى الصلح، من بينها أيضا أن الكلام يقل بين الطرفين المتنازعين، والصراحة تقل والقدرة على التفهّم والاستيعاب تقل أيضا.
فضلا عن عامل ثالث مهم جدا وهو أن هروب الطرفين المتنازعين إلى طرف خارجي يعني أن المسافة بينهما تتسع وقدرتهما على فتح حديث بينهما تتلاشى. في النهاية يملّ الأصدقاء من مشاكلهما ونزاعاتهما المتكررة، وتبقى أكوام المشاكل عالقة متراكمة دون أن تمتد يد لترفعها من الطريق.
أفضل طريقة يحل بها الزوجان مشاكلهما هي فتح حديث مفتوح ومتواصل بينهما من دون تدخل أي طرف خارجي، فهذه مسؤوليتهما وحدهما، ويمكن أن نشبهها، إذا صح التعبير، بعملية تنظيف دورية لجدران ونوافذ وأبواب العلاقة التي تربطهما. فإذا كان البيت الذي يضمهما تحت سقفه يتلقى هذا التنظيف وهذه العناية، فكيف لا تتلقى علاقتهما الروحية، وهي السقف الحقيقي، والإطار الحقيقي الحاضن لهما نفس العناية والاهتمام؟
الشيء الذي يصطدم به هذا المقترح في الغالب، هو العناد الذي يمنع كل طرف من أخذ المبادرة وفتح قناة للحديث، خصوصا إذا كان يعتبر نفسه مظلوما وينتظر من الطرف الآخر أن يعتذر أو يرد له اعتباره، وأظن أن الحل العملي لهذا المشكل هو أن لا ينتظر المظلوم أو من يجد نفسه مظلوما، أن يبادر الآخر لإرضائه، بل يطالب بنفسه بتفسير وشرح لما حدث، وباعتذار أيضا، لم لا؟ يمكنه أن يرسل رسالة، أو يكتب ورقة، أو يقترح الخروج لمكان من أجل طرح أسئلته والحصول على إجابة لها من شريكه.
في الخلافات يظن كل طرف أنه مظلوم، حسب تقديره الشخصي لفكرة الظلم، وحسب حساسيته وقدرته على الاستيعاب والتسامح. فإذا انتظر كل “مظلوم” مبادرة “الظالم” توقف العالم وانتهت الحياة، لأنه ببساطة، لا أحد يرى نفسه ظالما