عيشة مغاربة العالم تتدهور في غياب تام للمؤسسات المسؤولة عنهم
يشكل المهاجرون المغاربة أكبر جالية للمغتربين في أوروبا، بعد الجالية التركية، إذ يتجاوز عددهم ثلااثة ملايين و 150 ألف مهاجر موزعين على دول مثل فرنسا واسبانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وألمانيا… ويمثل المهاجرون المغاربة المقيمون في أوروبا 90% من المغاربة المغتربين والذين يناهز عددهم ثلاثة ملايين و 500 ألف مغربي في جميع أصقاع العالم.
وإذا كانت أهم أسباب اغتراب السواد الأعظم من المهاجرين المغاربة ذات طبيعة اقتصادية، فقد نجح هؤلاء عبر كد أجيال من المهاجرين من أن يتحولوا من عبء اقتصادي على بلدهم الأصلي إلى أحد أهم موارد اقتصاده من العملات الأجنبية، وفي السنوات الأخيرة أصبحت تحويلات المغتربين من أهم موارد دخل الدولة، تنافسها في ذلك عائدات السياحة. لكن تحويلات المهاجرين المغاربة تأثرت كثيرا في السنوات الأخيرة، وبشكل أكبر، العائدات المحولة من بلدان الاتحاد الأوروبي، بسبب ركود اقتصاديات هذه الأخيرة .
ورغم الأهمية التي يلعبها هؤلاء المهاجرون في تنشيط دورة الاقتصاد المغربي إلا أنهم ما زالوا محرومين من التمتع بكامل حقوقهم السياسية داخل وطنهم الأم. ويضاف إلى هذا الحرمان الذي تراكمت عواقبه عبر السنين، ما بات يعانيه المهاجرون اليوم من سياسات الهجرة التي تبنتها الدول الأوروبية، والتي تتخذ أشكالا أكثر تقييدا، من قبيل القوانين الجديدة حول التجمع العائلي بفرنسا و بلجيكا، وقانون الحفاظ على الأمن العام بإيطاليا، والقانون الجديد للهجرة بإسبانيا، وكذلك برامج العودة الطوعية التي اقترحتها بعض الدول الأوروبية.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في دول المهجر و سياسة ترحيل المساجين من أوروبا لقضاء حكمهم بالسجون المغربية وانعكاساتها السلبية على هؤلاء المهاجرين المغاربة و الإتفاقيات المبرمة بين المغرب و دول أوروبية و التي من شأنها يصرح المغرب بممتلكات المهاجر داخل المغرب مما سيجعل الفرد يفكر مليا قبل شراء سكن في بلده الام
وبلغ حذر السلطات المغربية ذروته عندما رفضت كل محاولات الإدماج التي كانت تعرضها دول المهجر على المغتربين المغاربة.
لذلك عندما قرر العاهل المغربي الملك محمد السادس قبل عشر سنوات إحداث مجلس أعلى للمهاجرين المغاربة في الخارج، اعتبر ذلك بمثابة اعتراف متأخر من الدولة المغربية بالأزمة التي تراكمت منذ عدة سنوات وحولت مغاربة الخارج إلى مواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من حقوقهم السياسية داخل وطنهم. وساد الاعتقاد آنذاك بأن السلطات في المغرب تريد تصحيح وضعية خاطئة، لكن تطبيق هذا القرار جاء مخيبا لآمال الكثير من المهاجرين، بما أن أعضاء هذه الهيئة كانوا معينين ولم يخضع اختيارهم من طرف الجالية المغربية لإنتخابات ديمقراطية كما كانت تطالب بذلك العديد من الجمعيات المدنية التي تمثل مغاربة المهجر، وجعلها وضعها الرسمي أقرب إلى هيئة استشارية بجانب الملك أكثر منها مجلسا تمثيليا للمهاجرين.
كما أدى طابعها الرسمي إلى التقليل من مصداقيتها لدى بعض الأوساط من المهاجرين، وخصوصا الذين ينتقدون غياب دورها في الدفاع عن حق المهاجرين في تمثيلهم سياسيا داخل وطنهم و خارجه حيث تتجلى مهمة المجلس في ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد. وبالمقابل فإن مجلس الجالية المغربية بالخارج مكلف بالاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين المغاربة. الا أن هذا المجلس غائبا في حياة المهاجر المغربي ، فالعديد منهم لا يعرفونه و لا يعرفون مهامه و لا اسم عبد الله بوصوف.
وأمام هذا الإعتراف الناقص، يجد المهاجرون المغاربة اليوم أنفسهم أمام معركة جديدة، لكنها هذه المرة مزدوجة ومتناقضة في نفس الآن، معركة اكتساب حقوق المواطنة الكاملة داخل وطنهم، ومعركة الحفاظ على الهوية الوطنية داخل بلاد المهجر.
فالمهاجر المغربي اليوم خاصة في الدول الغربية، حيث توجد أعلى نسبة كثافة للهجرة المغربية وأقدمها، يعاني من عدة مشاكل لعل أهمها مسألة الهوية وما تطرحه من إشكاليات حول تدبير اختلافه الثقافي والديني والقيمي داخل مجتمعات غربية باتت ترتفع فيها أصوات وتيارات تحن الى الإنزواء على النفس ورفض محاولات الانفتاح على الآخر مما يجعلنا نتساءل عن غياب مركز ثقافي مغربي ببلجيكا و التي تعتبر عاصمتها عاصمة أوروبا ، فالجالية المغربية تعاني من الهجرة ومن سوء تدبير أمورها من طرف المسؤولين عنها .